محاولة للوقيعة أم توصيف للواقع
بقلم/ عبدالله عبدالرحمن الدربجي
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 20 يوليو-تموز 2011 10:15 م

ما انفكت الثورة منذ بزوغ فجرها قبل ما يقارب ستة أشهر من دخول مراحل مختلفة من الوفاق و التشاور في أحيان، و من الاختلاف و من التنافر في أحيان أخرى بين أطيافها و تكتلاتها المختلفة. و لعل أهم طرفين في معادلة الثورة هما شباب الثورة الذين اندلعت شرارتها على أيديهم و بدؤوا ينفضون عنهم غبار البؤس و الحرمان الذي عانوا منه سنين طويلة، و أحزاب اللقاء المشترك التي ما فتئت تهدد بورقة الشارع في جولاتها السياسية الطويلة مع الحزب الحاكم قبل الثورة. و مع تعدد الآراء و الأفكار من المختصين و المهتمين بحال الثورة اليمنية، نجد السؤال التالي يضع نفسه: هل هناك محاولات جادة و حثيثة من بعض الأفراد و الجهات للوقيعة بين الشباب و أحزاب المشترك؟ أم أن واقع العلاقة بينهم، و خاصة في الفترات الأخيرة من عمر الثورة، يتحدث عن نفسه مثبتاً وجود حالة من السخط و التهميش من طرف على حساب الآخر؟

نبدأ بالطرف الأول، و الأهم في المعادلة، و هم شباب الثورة. أولئك المخلصين الشرفاء من أبناء الوطن ،و الذين قد لا تتجاوز أعمارهم العقد الثالث، الذين ضحوا بالغالي و النفيس في سبيل ثورتهم. أولئك الذين استلهموا روح الثورة في تونس و مصر فتقدموا بشجاعة و إخلاص بطريقة سلمية حضارية لتغيير أنفسهم أولاً، ثم تغيير واقع البلاد البائس عبر تغيير النظام. هم الذين خرجوا من دورهم و أهليهم و بدئوا بالمظاهرات و التجمعات الصغيرة في بعض الشوارع و الجولات، و خاصة جولة الجامعة، ليجدوا لهم بالمرصاد آلات القمع و القوة لتفريقهم. إلا أن هذا ما منعهم في النهاية من نصب خيمهم في ساحات التغيير و الحرية ليضعوا بذلك أساساً لبنيان وطن العزة والكرامة و المدنية و الحضارة الذين يسعون إليه.

و إذا تحدثنا عن الطرف الآخر، و هم أحزاب اللقاء المشترك، و الذين سماهم أحد الكتاب بـ(الجناح السياسي للثورة) فحول الثورة إلى طائر يطير بجناحين شعبي و سياسي، فنجد أنهم، و بغض النظر عن قواعدهم العريضة التي انخرط كثير منها في ساحات الحرية و التغيير حتى قبل صدور موقف رسمي من القيادات، قد أحجموا و لفترة ليست بالقصيرة عن الاندماج و الالتحام في الثورة. إلا أنهم بعد ذلك قد أعلنوا وقوفهم مع الثورة و الشباب، و نحن هنا لا ننكر أدوارهم الإيجابية و القيِّمة في دعم الثورة سواء عبر محاولة تحقيق أهدافها بأقل قدر من الخسائر، أو تسخير إعلامهم (كقناة سهيل) لبث صوت الثورة للجميع، أو حتى دور لجانهم التنظيمية في الساحة في مجالات التغذية و الحراسة و الأمن و غيرها. إلا أن هذا الانضمام بات يتحول من كونه جزءً لا يتجزأ من الأصل و هو ثورة الشباب، إلى الأصل و الأساس مع اعتبار البقية فروع و امتدادات.

دخلت الأحزاب الثورة و هي لا تزال مرتدية عباءاتها الحزبية المختلفة، و كان الأحرى بهم أن ينزعوا تلك العباءات و يتوشحوا رداء الثورة الشبابية الشعبية فقط. انضمت الأحزاب فبدأنا نسمع القيادات تتحدث على لسان الثورة و كأنه صار لديها تفويض مطلق للتعبير عن مواقف الشباب. رأينا بعد جمعة الكرامة الدامية كيف انبرى أحد القادة يتحدث بفخر أن الشباب سيزحفون إلى مقر الرئيس و يخرجونه عن البوتقة التي يتحصن فيها (دار الرئاسة)، فأمد بذلك التصريح بشعبية و زخم ما كان ليحلم به. شاهدنا و تابعنا كيف صارت أحزاب المشترك هي الناطق الرسمي و المعبر عن شباب الثورة في مفاوضاتهم الماراثونية مع النظام و القوى الخارجية الدولية مثل السعودية و أمريكا. رأينا إحكام القبضة على المنصة الرئيسية و جميع اللجان التنظيمية الشبابية دون ترك المجال لمن أسس بنيان الثورة لقيادة دفتها و السير بها نحو أهدافها المنشودة. كما قرأنا أيضاً عن بوادر و إرهاصات مشروع تشطيري في ساحة التغيير بصنعاء إلى ساحتين و منصتين، شمالية للجنة التنظيمية لشباب الثورة (المتنمين للأحزاب) و جنوبية للمنسقية العليا لشباب الثورة (المستقلين و الحوثيين). كيف حدث كل هذا يا إخوان على مرأى و مسمع من الجميع؟ أهي حقاً مؤامرة الوقيعة كما ذكرنا في بداية المقال، أم إنه الواقع الذي فرض نفسه و بقوة على الساحات؟

نستشف مما سبق أن مؤامرات الوقيعة و الانتماء لأبواق النظام و الأمن القومي و غيرها، ما هي إلا مجرد اتهامات لا تجد بعض الأطراف الحزبية أدنى صعوبة في سرعة توجيهها لكل من حاول وضع يدٍ على هذا الواقع الذي لا يسر أحداً. و لا أنكر هنا وجود أطراف مختلفة تسعى لبث الفرقة بين الثوار و أطيافهم المختلفة بل و يسرهم تمزيق شملهم و تشتيت جمعهم، إلا أن هؤلاء سرعان ما تنكشف مؤامرتهم و يتضح حجم غلهم من الثورة المباركة. و أنا على ثقة بأن شباب الثورة ذوو عقول راجحة و أفكار مستنيرة قادرون على التفريق بين هؤلاء و بين الذين لا يودون إلا الخير و النصح و الإرشاد و تبيان الحقيقة و الواقع دون مجاملات أو تزييف أو هضم لحق طرف على حساب الآخر. نحن لا نشكك في وطنية أحد أو في رغبة الجميع في إنجاح الثورة، لكننا نعتب على من يرمي بعرض الحائط كل رأي مخالف أو نقد بناء. إن الانضمام للثورة يعني انصهار جميع المسميات و الانتماءات في كيان واحد فقط و اسم واحد فقط، ألا و هو: \"الثورة الشعبية الشبابية\"، و إن طبَّق الجميع ذلك لن نرى أثراً لأي واقع من التنافر أو الاختلاف، و لن يستطيع أحد الوقيعة أو شق الصف.

aaa208@mareskcrew.com

طارق السكريعلى هامش الثورة
طارق السكري
مشاهدة المزيد