آخر الاخبار
المرحلة الانتقالية: الاصلاح الاداري
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 19 يوماً
السبت 02 يوليو-تموز 2011 04:06 م

 هناك حقيقة مجمع عليها من قبل الداخل و الخارج و هي ان اليمن يعد من اكثر الدول انتشارا للفساد. و على الرغم من تعدد التنظيرات حول اسبابه و طرق اجتثاثه فان هناك شبه اجماع على ان السبب الاساسي لانتشاره هو تركيبة النظام السياسي الذي تكون بعد توحيد اليمن. و من ثم فان الطريقة الوحيدة لاجتثاثه هي تغير تركيبته.

 لذلك فان الاصلاح الاداري يعد من اهم الاولويات التي يجب ان تحظى بالاهتمام خلال المرحلة الانتقالية. و لا شك ان ذلك يعد من القضايا التي لا تحتاج لا الى نقاش و لا يمكن ان يثار حولها اي جدل. انها بحق من المهام الاساسية التي يجب ان تكون من اهم مهام المرحلة الانتقالية.

 فكما هو معروف فان النظام السياسي في اليمن بعد الوحدة قام اولا على اتفاقية الوحدة و التي وقع عليها كل من حكومة الشمال و حزبه الحاكم و حكومة الجنوب و حزبه الحاكم. و بموجب هذه الاتفاقية فقد تم تقاسم السلطة و الثروة بينهما و تم دمج قوانين الشطرين.

 و لقد ترتب على ذلك تقاسم السلطة و الثروة بين الطرفين و ان تم تشويه قوانين و قواعد و اعراف و ممارسات الخدمة المدنية. فتم ارهاقها بعدد كبير من المنتمين للحزبين و تم تسكينهم فيها بطرق عشوائية و غير منضبطة و غير عادلة.

 و قد ترافق ذلك مع تشويه للقوانين ذات العلاقة و التي احتوت على نصوص متناقضة و مبهمة و غير قابلة للتطبيق. و بعد الانتقال من الفترة الانتقالية و فشل التوافق بين حزبي السلطة على ذلك عمل كل طرف على ضمان ولاء القوى السياسية الاخرى من خلال اشراكها في الفساد. و لسوء الحظ فان هذه القوى قبلت بذلك و بدون اي تردد.

 و من اجل ذلك نشأت التعددية نشأة غير طبيعية. فبدلا من ان يترتب على التعددية و الانتخابات التنافس على تقديم ما هو افضل من خلال توسيع الشفافية و المسائلة فإنها قد عملت على تبرير الفساد و الافساد من خلال استخدام الوظيفة العامة لكسب الولاء السياسي. و نتيجة لذلك فان الفساد اصبح نابعا من النظام ذاته (سلطة و معارضة). و قد عكس ذلك ممارسات كل من السلطة و المعارضة. و تحول الفساد الى طريقة مقبولة للتعامل مع قضايا الوطن. و على هذا الاساس يمكن تفسير فشل كل وعود السلطة و المعارضة في اجتثاث الفساد.

 فقد استخدمت الوظيفة العامة للحصول على الولاء السياسية. ونتيجة لذلك فقد تضخم اعداد الملتحقين بالخدمة المدنية الى ان وصلوا الى مستويات كبيرة لا تتناسب مع حجم الموارد المتاحة. اذ ان اجمالي الملتحقين في الوظيفة العامة في البلاد قد تجاوز المليون فرد. و قد كان من نتيجة ذلك تفاقم مشكلة العجز المزمن في الموازنة العامة و تزايد نسبة الدين العام الداخلي و الخارجي.

 و على الرغم من ذلك فان معدل البطالة و خصوصا بين الشباب في تصاعد مستمر و ان مستوى الخدمات العامة في تدهور. فمن يحصل على الوظائف العامة هم المنتمون للمؤتمر الشعبي العام اي الحزب الحاكم. اما الوظائف القيادية فهي محتكرة للنافذين و ابنائهم.

 و تمكنت السلطة و حزبها الحاكم من استغلال ذلك لكسب الانتخابات العامة و كسب ولاء النخب النافذة. و على الرغم من التعددية الحزبية و حرية التعبير فان الرؤى و البرامج لم يكن لها اي تاثير على نتائج الانتخابات. فقبل كل انتخابات تعمد السلطة الى تهديد العاملين في الخدمة العامة من خلال ربط بقائهم في وظائفهم بمقدار ما يبذلونه من حشد في الانتخابات العامة. بالاضافة الى ذلك فإنها تعمل على اشاعة انه قد تم حسم الانتخابات مسبقا لصالحها و من ثم فان من يصوت لأحزاب المعارضة فانه سيعاقب من خلال عزله من منصبه او من خلال حرمانه من التوظيف و الترقية.

 فمن المشاهد ان السلطة تتعمد وضع حجر الاساس لمشاريع وهمية قبل كل انتخابات بهدف استخدامها كوسيلة ضغط على الناخبين في المناطق اليمنية حتى يصوتوا لمرشحي الحزب الحاكم و يمتنعون عن التصويت لأحزاب المعارضة و للمستقلين.

 و لان احزاب المعارضة قد شاركت السلطة في بعض الفساد فانها لم تجرؤ على فضح ممارسات السلطة هذه حتى لا تعاقب بحرمانها من حصتها فيه. و نتيجة لذلك فقد فشل النظام في الحد من هذه الممارسات بل عمل على توسيعها في كل موسم انتخابات جديد.

و لذلك كانت ثورة الشباب ضرورية لتغير النظام السياسي الفساد و الذي فشل في اصلاح نفسه. فلن تكون ثورة الشباب ثورة حقيقية لم تعمل و تنجح في اصلاح الادارة العامة التي تم تشويهها بشكل كامل. فما من شك من ان الفساد الاداري يعد سببا رئيسيا لفشل العملية الديمقراطية و لضعف التنمية الاقتصادية.

 و من اجل جعل التداول السلمي ممكنا فانه لا بد من العمل على تطبيق حيادية الوظيفة العامة. المقصود بحيادية الوظيفة العامة هو منع و تجفيف منابع الاستغلال السياسي لها من حزب كان. صحيح انه يجب حماية حقوق الموظفين العامين السياسية و المتمثلة في حرية اختيارهم لانتمائهم الحزبية و حقهم في المشاركة في الترشيح و الانتخاب. و لكن ذلك يجب ان يتم من خلال قواعد و ضمانات تمنعهم من استغلالهم لسلطاتهم النابعة من مراكزهم و وظائفهم العامة لصالح الاحزاب التي ينتمون اليها او لصالح انفسهم في حال ما يكونون مرشحين حزبين او مستقلين.

 يا شباب الثورة ان الوفاء بالاستحقاقات المشروعة لنجاح الثورة مثل تحسين مستوى الخدمات العامة و تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية بهدف تحسين مستويات المعيشة للمواطنية يتطلب وجود جهاز اداري حكومي مستقل و فعال. و بدون ذلك فمهما كانت وعود و برامج الاحزاب السياسية المتنافسة فإنها ستظل حبرا على ورق لأنها ستصطدم بصخرة عجز الادارة الحكومية بتحويلها الى انجازات ملموسة على ارض الواقع.

 ان اصلاح الخدمة المدنية اي الاصلاح الاداري لا يحتاج امكانيات غير متوفرة لليمن و انما يحتاج فقط الى ثورة في المفاهيم و السلوكيات و الثقافة. و لاشك ان ذلك سيتوفر اذا ما تحمل المسئولية خلال المرحلة الانتقالية شخصيات وطنية مستقلة و مشهود لها بالنزاهة و الاخلاص و التفاني.

و في هذا الاطار فانه لا بد من البحث عن البدائل الممكنة و الاقل تكلفة لمعالجة الاوضاع الحالية. و على الرغم من صعوبة الاوضاع الحالية الا انه يمكن القول انه يمكن التعامل معها بقدر معقول. ان ذلك يتطلب ان يتم ربط التوظيف في اجهزة الدولة المختلفة بالاحتياج. و المقصود بالاحتياج هنا ما تمليه ضرورة القيام بوظائف الدولة. و لا شك ان ذلك يتحدد من خلال النسب الفنية المحايدة و ليس الرغبة السياسية او الشخصية.

 و لا بد من ان يتم الاخذ بعين الاعتبار المتطلبات المالية لذلك. ان ذلك يعني انه قبل ان يتم البدء بعملية التوظيف يجب توفير الاعتمادات المالية الكافية لذلك. بالاضافة الى ذلك فانه لا بد من تحديد المهارات المطلوبة بشكل محايد. اي يجب ان لا يتم تفصيل الوظائف العامة على مقاس افراد معين.

 فمن هذه الضمانات وضع قواعد للالتحاق في الوظيفة العامة تقوم على الكفاءة و الاخلاص. و من اجل ذلك فان الالتحاق في هذه الوظائف يجب ان يتم من خلال منافسة عامة تعتمد على معاير فنية و سلوكية مستقلة عن الانتماء الحزبي او المناطقي او القلبي او الطائفي او المذهبي.

 و من هذه الضمانات ان تتم الترقية بناء على معاير الاداء و الانجاز في الوظيفة و التدريب خلالها. و على هذا الاساس فانه لا يحق للحزب الحاكم و لا للقيادات السياسية العليا و القيادات الإدارية العليا التدخل في هذه العملية لأسباب سياسية او ذاتية.

 و في نفس الوقت فانه يجب العمل على اصلاح الدستور و القوانين ذات العلاقة. و على وجه التحديد ضبط العلاقة بين السلطات الثلاث ( التنفيذية و التشريعية و القضائية) و العلاقة بين مكونات السلطة التنفيذية ( رئاسة الدولة و رئاسة الحكومة و الوزارات) و قانون الخدمة المدنية و اللوائح المنظمة لعمل كل وزارة من الوزارات.

ان تحديد الصلاحيات و المسؤوليات لهذه الجهات سيعمل على ضبط ممارستها فيما هو مخول لها. و في هذه الحالة فان هذه المؤسسات ستكون مؤسسات حقيقية و ليس فقط غطاء لجهات مخفية هي التي تمارس الحكم. ان ذلك سيمكن من الفصل بين المهام و القضايا السياسية و المهام و القضايا البيروقراطية.

و لا شك ان اي حكومة ائتلافية بين كل من المؤتمر الشعبي و اللقاء المشترك لن تكون قادرة على تحقيق ذلك لانها ستكون اسيرة قياداتها الحزبية و اجندتها الخاصة.

 ان ذلك ضروري لتحقيق التوازن المطلوب بين المسؤوليات و الصلاحيات. فبدون ذلك فلن تكون هناك لا شفافية و لا مساءلة. و في هذه الحالة فان الفساد سيظل مسيطرا مما يجعل اي تغيرات ستترتب على نجاح ثورة الشباب لا معنى لها.