و إذا قلتم فاعدلوا
بقلم/ عزيز الخميسي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يومين
السبت 18 يونيو-حزيران 2011 05:40 م

وصلتني رسالة قبل بضعة أيام من أحد الإخوة يذكر فيها أن بعض الناس في الآونة الأخيرة يقدح في الشيخ الزنداني و بعض العلماء الآخرين ، و يتهمهم بالتناقض في الفتاوى و المواقف تجاه الأحداث الأخيرة التي تمر بها البلاد منذ أشهر، و ذكر بعض الأمثلة لهذا التناقض بزعمهم سأذكرها لاحقاً مع بيانها و إزالة اللبس عنها بما لايدع لمتقول قول . و لكن قبل ذلك أود أن أنبه على أربعة أمور مهمة :

الأول : حرمة أعرض المسلمين ، و الآيات و الأحاديث بهذا الشأن صريحة واضحة ، مثل قول الله \"و لا يغتب بعضكم بعضا .... الآية \" ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم \" إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم حرام عليكم \" هذا و لأهل العلم حرمة فوق حرمة غيرهم لأنهم حملة الدين و حماة الشريعة و هم ورثة الأنبياء فالطعن فيهم طعن في ما يحملون من الدين و العلم و لأجل هذا قال بعض السلف : لحوم العلماء مسمومة .

الثاني : أن الأحكام الاجتهادية الخاصة بالنوازل ، و غيرها مما ليس فيه نص صريح من كتاب أو سنة تتغير بتغير الأزمنة و الأمكنة و الملابسات و الظروف ، و كذا الفتاوى تختلف باختلاف محالها و مناطاتها و هذا أمر معروف عند العلماء و لم يسم أحد منهم هذا تناقضاَ ، و قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في مسألة بحكم ، ثم قضى فيها بعد ذلك بحكم أخر ، فقيل له في ذلك . فقال : تلك على ما قضينا و هذه على ما نقضي , و للإمام أحمد أكثر من عشر مسائل له في كل مسألة أكثر من عشرة أقوال .

الثالث : أن العالم إذا أخطأ فليس من حق العوام أن يردوا عليه فضلاً عن أن يتهموه في دينه و يطعنوا في علمه و ورعه ، بل الرد على هذا الخطأ و بيانه من شأن العلماء الراسخين المشهود لهم بالعلم ، و ليس لهم أيضاً – أعني العلماء - أن يسبوه أو يتهموه طالما أنه قصد الحق و أراد الصواب و قد بذل في سبيل ذلك وسعه ، بل هو في كل ذلك مأجور .

الرابع : وجوب التحري و التثبت مما ينقل و ما يقال لقول الله \" إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...\" و يجب كذلك التأني و عدم التعجل في إطلاق الأحكام على الناس ، و يجب الإنصاف و العدل في القول قال تعالى \" و إذا قلتم فاعدلوا \"

فإذا تبين هذا . فهاهنا بيانٌ لما توهمه بعضهم تناقضاً و هو ليس كذلك - عند الشيخ الزنداني على الخصوص- :

فمما يقولونه : إن الزنداني كان مع الرئيس ثم تحول فجأة إلى الشباب ليفتيهم بأن الذي يقومون به من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .

ويقولون أيضاً : إنه قال في تصريح له إنه لم يكن يريد علي صالح منذ ثلاثين سنة إلخ .. في حين أنه كان معه في الانتخابات الماضية .

و يقولون إنه يفتي بحرمة الخروج على ولي الأمر ثم يعود فيفتي بضد ذلك .

هذه أبرز ما يتعللون به من أجل القدح في الشيخ –حفظه الله – و لبيان هذا أقول :

أولاً : مواقف الشيخ و فتاواه خلال هذه الأحداث تنقسم إلى قسمين : الأول فتاوى شارك فيها غيره من العلماء في هيئة علماء اليمن و غيرهم من العلماء من داخل اليمن و خارجها و جل فتاواه من هذا القسم ، و هو في هذا ليس ببدع من الناس بل هو موافق لأجلة من العلماء .

و القسم الثاني : ويتمثل في التصريحات الإعلامية و لا تكاد توجد فيها فتوى و إنما أغلبها تعليق على الأحداث في الواقع - مما يحصل في ساحات الاعتصام أو خارجها – أو على الأحداث السياسية و المتغيرات الدولية و هو في كل ذلك لم يألو عن الحق و ما ينفع العباد و البلاد .و مواقفه هذه مبنية على ما سبق أن بينه العلماء في القسم الأول .

ثانياً : ما ذكر مما يظن بعض الناس أن فيه تناقضا في موقف الشيخ بيانه كما يأتي :

أ‌- قولهم : إن الزنداني كان مع الرئيس ثم تحول فجأة ... الخ .

الشيخ مع ثلة من العلماء في هيئة علماء اليمن ذهبوا إلى الرئيس في بداية الأحداث حاملين إليه مبادرة من خمس نقاط من أجل إصلاح الأوضاع و تجنيب البلاد المشاكل و الفتن ،فحواها يتضمن تسليم صالح السلطة سلمياً و بيان أن المعتصمين يطالبون بحق مشروع و لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم . فلم يرق هذا لصالح فطلب منهم فتوى تمنع الشباب من الاعتصام و تبيح له الاعتداء عليهم بالقوة إن رفضوا ذلك . فرفض الشيخ و من معه من العلماء ذلك لأن الاعتصام حق أباحه الشرع و كفله الدستور . ثم ذهب الشيخ إلى الشباب ليبن لهم أن ما هم فيه ضرب من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ما كان ذلك بطريقة سلمية و لم يكن فيه اعتداء و سفك دماء .و لم يكن الشيخ أبداً في صف صالح بل كان في دور الوسيط لتلافي الوضع ، فلما رأى أن الوساطة لا تنفع مع مثل صالح و رأى أيضاً أن أجهزة الإعلام الرسمية تزوّر أقواله و أقوال العلماء على غير حقيقتها ذهب إلى الشباب في الساحة إظهاراً للحق و بياناً له و أعلن تأييده لشباب فأين التناقض في هذا .

ب‌- قولهم : إنه قال في تصريح له إنه لم يكن يريد علي صالح منذ ثلاثين سنة إلخ .. في حين أنه كان معه في الانتخابات ......الخ

الحقيقة هذا مما استوقفني كثيراً و تعجبت له ، فسألت الشيخ عنه فقال : أنا ما كنت معه في إي انتخابات و لا نصحت الناس بانتخابه أبداً . و الذي وقع في الانتخابات الماضية هو أنني لم أكن مع أي من المترشحين ، لا مع مرشح المعارضة و لا مع علي صالح لأني كنت أعلم كما يعلم غيري أنها انتخابات صورية و أن نتيجتها معروفة مقدما ، فخشيت أن أخوض مع الخائضين انتخابات للتدريب قد تطيح بجامعة الإيمان، و هذا لا يعني أن الشيخ كان مع علي صالح بأي حالٍ من الأحوال .

و سألته عن قوله إنه لم يكن يريد صالح ...إلخ . فقال : \"صالح و أمثاله غلبوا على الشعوب\" ، و ليس هو و لا أمثاله ممن يرضى لحكم المسلمين ، فكون الشيخ ما كان يريد علي صالح و لم يكن راضياً به لا يلزم منه أن يطلع الشيخ على الناس في تلك الفترة و يقول هذا .ثم يضيف الشيخ :\" لأن الرجل – يعني صالحاً- كان متغلباً و الخلاف معه لا يجدي و لا يأتي بنتيجة حسنة بل كانت المداراة لوضع قائم لتحصيل بعض المصالح للبلاد و العباد أولى من غيرها ذلك الوقت .و مع ذلك فقد كنت معظم الوقت و أنا معه في اختلاف دفعت ثمنه تشريدا من الوطن و محاولات للاغتيال أفشلها الله و تحريضا لقوى أجنبية لمنعي من الحركة خارج الوطن \".

ج- وقولهم : إنه يفتي بحرمة الخروج على ولي الأمر ثم يعود فيفتي بضد ذلك .

أقول : هذا من التخرص و الافتراء على الشيخ فما أفتى الشيخ في يومٍ من الأيام بالخروج على أولياء أمور المسلمين . و إن كانوا فهموا من فتوى الشيخ للمعتصمين بمشروعية ما يقومون به و أنه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . إن كانوا فهموا من هذا أنه خروج فهذا شأنهم و ليس الشيخ في هذا من شيء . فالشيخ في جماعة من العلماء لا يرون هذا خروجاً بل هو أمر مشروع و هو شكل من أشكال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و يستدلون على ذلك بأدلة مبسوطة في محالها ..و لم يقل هذا هوى من عند نفسه أو من أجل مصلحة دنيوية أو توجه حزبي ، فهذا دين و شرع وهو فوق جميع المصالح الفانية و الأهواء و لا يجوز التلاعب به .