22 مايو .. وحدوي مع الانفصال والعكس
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 4 سنوات و 7 أشهر و 3 أيام
السبت 23 مايو 2020 09:30 م
 

أواخر شهر مايو ١٩٩٠ م استضاف الدكتور قاسم سلام أمين حزب البعث القومي الاشتراكي في مقيل منزله بحدة مجموعة صحافيين واعلاميين كنت أحدهم.

سأل الدكتور الحاضرين هل تعتقدون أن الوحدة اليمنية حُسمت بعد التوقيع ؟؟.

تحدث زملاء عن إنجاز كبير وخطوة تاريخية ونادرة, وقلت للدكتور: يبدو أنه لم يتحقق من الوحدة حتى الآن إلا جانبها(العاطفي) فقط وأننا نحتاج إلى وقت طويل للتعارف فيما بيننا أولا كيمنيين) .. ومَرَدُّ ذلك إلى ثقافة الكراهية التي عبأت بها سلطات الشطرين جماهيرها ضد بعضهم لسنوات طويلة.

واستحضر الدكتور قاسم رمزية الصراع الأزلي بين إبليس والملائكة, وصراع قابيل وهابيل بسلاسة الراوي الخبير .. إذ لم ينسَ معها تجربته مع مرارة سجون الرعب السياسي ألتي وصلت حد القاء الثعابين والحيّات عليه وزملائه في الزنازن !!.

هذه مجرد عينة من النخبة السياسية اليمنية ألتي عكست خوفها المبكر على وحدة عشوائية دون أرضية جاهزة.

قال الدكتور عبدالكريم الارياني رحمه الله أنه اشترط نقل ابرز التشكيلات العسكرية الضاربة في كل شطر إلى الشطر الآخر كضمانة لعدم انقلاب أي طرف وتجريدهما من عنصر التراجع بالقوة, وذلك ما حدث بالفعل.. وذلك نفسه أجَّل الانفجار, واحتفظ كل شطر بجيشه وقوته العسكرية والامنية كما هي طوال ٤ سنوات ونيف!!.

ليست تهمة أو نقيصة أن تيار علي سالم البيض في الحزب الاشتراكي استعجل وحدة اندماجية كاملة, لكنه أخطأ حسابات كثيرة, أبرزها مكر وغدر وسؤ نوايا الطرف الآخر(علي عبدالله صالح).

جَرّد عساكر الجنوب البيض من صلاحياته كأمين عام للحزب ونزعوا رئاسة الدولة منه بعد ١٣ يناير ١٩٨٦م بالالتفاف استتبعه أيضا ملاحقات مفتعلة مخزية لم يسلم منها الرجل, فتطاول عليه بقسوة حتى صغار الجنود في المعسكرات أثناء حملة تدشينه كونفرنس الحزب بعد كارثة يناير وهم يخضعونه لمساءلات تافهة, مثل كيف استطاع نجله عدنان بناء غرفتين للسكن فوق سطح منزل عمته الشعبي في التواهي, وكم قدمت منطقته حضرموت من ضحايا في كارثة يناير .. وغيرها كثير.!!.. ذلك الحصار الشخصي الخانق ما ظن البيض أنه أسوأ بكثير من الوحدة مع صالح, وأنه سيكبر بانجاز الوحدة الوطنية.

لو أن نتائج حرب صيف ١٩٩٤ م أدت إلى اجتياح الجنوب للشمال لقاتل علي عبدالله صالح من أجل الانفصال, ولو اكتفى الجنوب بفرض الانفصال وخروج الشمال ضعيفا سيكتفي صالح بما في يده , ولكن حدث العكس إن رهان البيض على القوة العسكرية الشطرية المتاحة في العودة إلى الخلف أو تعديل شروط لعبة كيان آخر كونفدرالي مثلا لم تصمد.

لعبت معطيات مصالح دولية كثيرة في تحقيق وحدة اليمن الجغرافية أبرزها وجود ثروات نفطية وغازية في حدود حضرموت, مأرب, شبوة .. لكن أحداً لم يفرض أو يشترط مدة زمنية محددة ولا شكل دولة الوحدة( اندماجية, فدرالية, كونفيدرالية) .. دفع صراع الغلبة والاستحواذ والإقصاء القروي المناطقي المذموم داخل هرم قيادات الاشتراكي علي سالم البيض ومؤيديه الى قرار متسرع جدا لم تنضج عوامل نجاحه, لكنه ليس أسوأ من خيارات أصحاب المشروع المضاد, وهو مشروع( اللامشروع) مشروع اختطاف أصحاب القرية لمشروع بناء الدولة والمواطنة المتساوية.

بعد استيلاء العسكر بعد ٢٢ يناير ١٩٨٦م جنوبا على معظم ادارات المصانع والمعامل المنتجة كل ما فعله رئيس الوزراء الدكتور ياسين سعيد نعمان لقاء مفتوح مع وسائل الإعلام والصحافة يشكو فيها تعثر الإنتاج وتدهور السوق وسطوة وصلف العسكر .. وكان لا يخلو موكب الرئيس حيدر العطاس من الترصد والمضايقات .. إلى أن صاح بعدها الاستاذ سالم صالح محمد الذي فرضه العسكر( أمين عام مساعد للحزب) أنه توجد في البنك الاهلي ٢ مليار دينار( ٥ مليار ونصف دولار) بدون غطاء.

من المفارقات اليوم أن المطالبين بفك الارتباط أو الإنفصال علاقتهم أقوى بالذين شوَّهوا المنجز الوحدي وحرفوا مساره وأضر استحواذهم العائلي على السلطة بالكل ضد الجميع شمالا والجنوب.

هم من يتباكون على مصير علي سالم البيض ويتحالفون مع من خانوا مواثيقهم معه, ويعززون نفوذهم ووجوده العائلي في الساحل الغربي والمخا وباب المندب وفوقها قرابين فلذات أكبادهم.

لا تعرف ماذا يريدون وفي أي هاوية سحيقة يجدفون, ورغم ذلك يكشف هؤلاء أن فعل الوحدة اليمنية ارضا وانسانا لم يكن خطأً بحد ذاته وأنهم ومن يحالفونهم هم الخطيئة الكبرى بذاتها لأن التناقض في القيم وتقديس الجلاد لا تدل على وجود قضايا خلاف جوهرية إلا أن الوحدة فقط تتعرض للابتزاز من العصابات القديمة والجديدة, وأن طارق عفاش ومسمى حراس الجمهورية أبعد عن قيم الوحدة ويقدح في انتمائه الوطني بتحالفاته مع أصحاب المشاريع الصغيرة .. وذلك حجمه ومقاسه الطبيعي.

قد يكون إخلاص مجلس الانتقالي في التصالح والتحالف مع طارق عفاش من باب الامتنان لعمه الراحل صالح صاحب الفضل في تطفيشهم من الوحدة, ولكنني لا أفهم أن طارق تحالف مع اشباهه قبل تصالحه مع ضحاي

ا اجتياح قناصة الجيش والأمن والحرس العائلي لعدن في أبريل ٢٠١٥ م.

وليس المطلوب من طارق عفاش الآن الاعتراف بالسلطة الشرعية, بل عدم تماديه وأقاربه في طعن ما تبقى من هامش وحدة البلاد كما نحروا أهدافها النبيلة طوال ٢٨ عاما بسلوك وهمجية الحكم العائلي الغاشم.

أقدم اعتذاري لكل من أوصلته طريقة ادارة حكم صالح العائلي إلى حافة الإنفصال إلا من تحالفوا مع مخلفات الجلاد نفسه فهؤلاء يضحكون على أنفسهم!.