الحوثيون بين فكي كماشة .. وسعيهم التوسعي للخروج منها
بقلم/ علي بن ياسين البيضاني
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و 17 يوماً
السبت 03 يناير-كانون الثاني 2015 09:49 ص

أشرت في موضوع سابق باختصار عن التوسع الحوثي نحو مأرب والجوف ، ونحاول في هذا المقال أن نستجلي أبعاد هذا التوسع بتفصيل بسيط ، وما هو الدور السعودي المطلوب منها ؟

إن الهدف الإستراتيجي لإيران الفارسية ، وهو الأبعد عمقًا منذ سنين عديدة ، هو السيطرة على مكة والمدينة ، وبقية أراضي الحجاز كهدف ديني مأمول ضمن مخططاتهم ( دولة إيران من قُم إلى مكة ) ، وما يحدث الآن فى المشهد اليمني من سيطرة حوثية على كثير من مناطق اليمن ، ما هو إلا وسيلة أو بالأصح خنجر مسموم في خاصرة السعودية ، وبقية المناطق السنية ، ثم السيطرة على اليمن والعراق وسوريا والبحرين سياسيًا وعسكريًا ، بغرض إعادة أمجاد الدولة الفارسية القديمة ، ثم أن استخدامهم للترويج للحروب السنية الشيعية فى المنطقة وهمية كاستخدامهم التقية ، بغرض تمريرهم الكثير من المؤامرات والأكاذيب ، والحوثيون والعفاشيون والحراك المسلح وغيرهم كثير ممن يعملون لصالح المخطط الإيراني ، ما هم إلا أدوات ووسائل بلهاء لتنفيذ هذا المخطط الخبيث ..

ثم بعد ذلك يجب أن نعلم يقينًا أن السيطرة الحوثية الحالية على صنعاء وبقية المحافظات ، هو موقف استباقي وواضح بغرض السيطرة السياسية على مقاليد الأمور ، ثم به تسعى للسيطرة على مقاليد الأمور فى اليمن كاملة ، وحاليًا ومن خلال قراءتنا البسيطة للمشهد نلحظ أن أمامهم مهمتين كبيرتين هما : السيطرة على مأرب والجوف بغرض استجلاب الدعم المالي والإقتصادي ، من خلال السيطرة على منابع النفط والغاز وغيرها ، لعدم قدرتهم على حكم البلاد دون ذلك في ظل وضع اقتصادي متردي ، ومن المستحيل أن تقوم إيران بدعم شعب اليمن ، وشعبها يئن من شظف العيش ، بسبب إنفاقها الزائد عن حده لتنفيذ مخططاتها التدميرية فى المنطقة العربية ، ثم بعد ذلك يريدون من هذه السيطرة على مأرب والجوف تنفيذ المخطط الإيراني في ضرب العمق السعودي ، ما يعني أن تكون السعودية تحت مرمى ضربات القوى الحوثية الإيرانية .. والمهمة الأخرى هو : السيطرة على تعز والمناطق الجنوبية القريبة من باب المندب والبحر العربي وخليج عدن ، والسيطرة على البحر الأحمر بصورة كاملة بعدما تم السيطرة على الحديدة وحجة وبقية المناطق الواقعة عليه.

نلحظ كذلك ، ومن النظرة الأولى في خارطة التوسعات الحوثية فى المناطق التي استطاعوا السيطرة عليها ، أو التي يسعون للسيطرة عليها ، أن الحوثيين يريدون السيطرة الكاملة على اليمن ، كطموح لتحقيق الهدف الأبعد المذكور سابقًا بكل تفاصيله الدقيقة ، لكن نجد هناك ما يعترض تحقيق هذا الهدف هو أنهم موجودين على الأرض بين فكي كماشة - رغم تفوقهم الميداني والهالة التي تم الترويج لقوتهم العسكرية – فهم من الناحية العسكرية والسياسية والدينية ، بين المناطق القوية بالرجال والسلاح ( الجوف ومأرب والمؤيدة لها قبليًا وعسكريًا مثل البيضاء وأرحب وغيرها ) ، وهي فى الغالب مناطق سنية وعنيدة وأبية ومقاتلة ، لا يمكن لها أن تقوم بتسليم مناطقها للحوثيين بسهولة ، وفك الكماشة الأخرى ( إب وتعز ثم محافظات الجنوب عدن ولحج والضالع وأبين ) ، وكما هو مشاهد أن هذه المناطق تأبى الخضوع للسيطرة الحوثية ، بالإضافة إلى أن الدولة لم تجرؤ أن تأمر بالتسليم ، ولم تتآمر على إسقاطها ، لأهداف سياسية خالصة لا وطنية ، تتمثل في إبقاء هذه المناطق والجنوب خصوصًا كملاذ أخير للرئيس هادي لإعلان الإنفصال ، والسيطرة على الجنوب ، وقبلها الحفاظ على المصالح الغربية في المناطق الإستراتجية في باب المندب والبحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر وسقطرى وغيرها ، وكيف لها أن تتجرأ على التفكير بذلك ، ولذلك تجد أن إيران تسعى بكل ما أوتيت من قوة لشراء الولاءات القبلية والعسكرية ، والضغط على الدولة بعدم التدخل ، لأنها بصريح العبــارة لا يمكن أن تقبل من الناحية العسكرية والسياسية ، بوقوعها بين فكي الكماشة ، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة الخروج منها ، وتحاول كذلك أن تقوم بعملية إلتفاف للخروج من المخنق والمآزق في وقت واحد ..

السؤال المهم : هل يمكن للدولة أن تسمح بالسيطرة على مأرب والجوف ؟ وما هو الموقف السعودي المطلوب أمام هذا التقدم ، والذي سيصيب السعودية بمقتل إن حصل ذلك ؟ وما هو دور القبائل مما يحاك من مؤامرات وإن حصل تواطؤ من قبل الدولة ؟ وهل يمكن لها أن تقاتل الحوثيين إذا بدأوهم القتال ، أو يتم التسليم مثلما فعلت قبائل أرحب ؟ ، نحاول أن نوضح ذلك باختصار ..

نؤكد أن الدولة ممثلة بالرئيس هادي لن تستطيع فعل شيء لسبين وهما : أن مقاليد أمور البلاد كلها مع الحوثيين ، وثانيًا أن الرئيس هادي ووفقًا للمستجدات لم يعد تهمه مأرب ولا الجوف ولا بقية مناطق اليمن ، وواقع الحال يشير إلى ذلك يقينًا ، لكن دائرة اهتمامه تسير في أفق آخر ، ويمكن أن يقدِّم كل شيء من أجل أن يبقى رئيسًا لليمن الموحد ، وإطالة أمد حكمه أكثر وقت ممكن ، ولا يهمه أن يكــــــــــون ذلك بصورة شكليـــة ( رئيس فخري ) ، ثم إن لم يستطع إحكام السيطرة على اليمن كاملاً ، فسيتم الترتيب لفصل الجنوب وفقًا لرؤيته ، مع العلم أنه الآن يساهم من خلال إبطاء إجراءات الدولة للقيام بالتهيئة لعملية الإنفصال ، وما إعطاء الصلاحيات المالية والإدارية في إقليم عدن وبقية المحافظات التابعة لها ، إلا إجراء استباقي للتهيئة لذلك ، والإدعاء بأن ذلك من أجل التخفيف من المركزية هو ادعاء عبثي فقط ، ويقع ذلك ضمن عملية الإنفصال الممنهج بصورة مباشرة أو متأخرة .. ودليل ذلك أن هادي ما زال ممسكًا بزمام الملف الجنوبي ، ولم يُسهم في حل القضية الجنوبية حلاً جذريًا ، والمماطلة في تنفيذ النقاط 32 الخاصة بالجنوب ، وكذلك سيطرته بواسطة المال على تيارات جنوبية عديدة في الجنوب وفي ساحة الإعتصام ، وقيامه بتفريخ تلك التيارات وعدم تحقيق أي نجاحات على الأرض ، وإيهام الشعب الجنوبي أن القيادات الحراكية _ وهي كذلك _ لا تستطيع أن تقدم للجنوب أي شيء ، ليظل هو في نظر الجنوبيين هو صاحب الحل الأمثل ، ثم هو بعد ذلك يساهم وبطريقة غير مباشرة باستمرار التصعيد الحراكي وفقًا لإرادته من خلال الإجراءات الأمنية القاسية التي تتخذها السلطات في عدن ، فينظر أبناء الجنوب أن القوة فقط تستخدم ضد الحراك ، والحوثيون لا يتم مسهم بسوء ..

أما عن الدور القبلي المطلوب فيجب أن تعلم قبائل الجوف ومأرب وغيرها ، أن التتار الحوثيين ليــس لهم عهد ولا ذمة إن تم لهم التسليم لتجنب القتال ، وعليهم أخذ العبرة من كل المناطق التي سلّمت لهم فعاثوا فيها فسادًا ، ودمّروا المنازل والمساجد ، ولم يرعوا القيم الدينية ولا العادات ولا الأعراف القبلية ، وقد أصدروا بيانًا واضحًا بالمواجهة وعدم التسليم ، وهو موقف رجولي بطولي اعتادوا عليه دائمًا بأن لا ينحنوا للباطل مهما كان قوته ، ثم أن قبائل مأرب والجوف مجتمعة معها أوراق ضغط كبيرة يمكن استخدامها بقوة ، فالبترول والغاز والكهرباء وغيرها تأتي منهم ، والجزء الأكبر من موازنة الدولة من لديهم ، وهم أحق بالمُلك والسيطرة على مناطقهم ، ثم بعد ذلك يحق لهم أن يضغطوا على الدولة باستقلال إقليمهم فوريًا ماليًا وإداريًا وفقًا لمخرجات الحوار الوطني ، ولهم الحق بأن يتولى أمر قيادات المنطقة والألوية العسكرية والمؤسسات الأمنية من أبناء مأرب والجوف ، أو التهديد والوعيد بإعلان الإنفصال التام عن مركز الدولة ، ومؤهلات إقامة الإقليم ممكنة بقوة المال والسلاح والترابط القبلي عكس قبائل شمال الشمال المرتبطين بأكثر من شخصية قبلية وسياسية ، ويجب كذلك أن تعطي مأرب والجوف درسًا للدولة أن هذه المناطق قد شبت عن الطوق ، وتضع هادي إمام خيارين : إما أن تقوم الدولة بدورها في حماية تلكم المناطق من عدوان الحوثيين ووقف تقدّمهم ، فإن فعلت ذلك فمأرب والجوف هي ضمن الدولة ، وإن تآمرت الدولة أو قصّرت في واجباتها ، فليس على القبائل حرج بعد ذلك من الدفاع عن أرضها وعرضها وثرواتها ، وحينئذ فلا يحق للدولة أن تنال سيادتها على مأرب والجوف لأنها لم تقم بواجبها ، وبحسب العرف القبلي فالوجه من الوجه أبيض ، ثم أن إقليم سبأ له الحق بالمطالبة بمساواته بإقليم عدن ومحافظاته بالإستقلال الإداري والمالي ابتداء من عام 2015م ، ولا مجال للتسويف ..

أما عن الموقف السعودي المطلوب وعلى وجه السرعة لتلافي احتمالات الإنهيار ، وإحكام السيطرة الحوثية على بقية مناطق اليمن ، فيجب عليها أن تضغط على الدولة بكل قوتها ، وأن يكون تسليم الدعم المالي شرط لتطبيق مخرجات الحوار فورًا ، وعلى وجه الخصوص تطبيق نظام الأقاليم ، ومن ذلك إقليم الجوف ومأرب أولاً ، ثم أن تدعم مباشرة تلكم القبائل بالعتاد والمال لدعم مقاومة التمدد الحوثي ، ويجب أن تفهم السعودية أن الدولة بتواطؤ أو ضعف لن تقدِّم أي عون ومساعدة لهذه القبائل ، وعلى السعودية حينئذ أن تدعم توجهات القبائل في تحقيق إقامة إقليم سبأ واقعًا على الأرض ، وتساعدهم في إقامة البنية التحتية الكاملة باعتبار هذا الإقليم خط الدفاع الأول والصارم لها ، لا أن تقف متفرجة أمام العبث الإيراني الفارسي ، أو أن تدعم الإستقلال التام ، حينها سيؤدي ذلك إلى إيقاف التمدد الحوثي في بقية المناطق اليمنية ، لأن الحوثيين لا يستطيعوا حكم اليمن دون مأرب الغنية بالثروات والجوف الواعدة بالخيرات ، ويمكن للحوثيين كواقع أن يحترموا أنفسهم ويقبلوا ببقائهم ضمن المكونات السياسية فى اليمن ، ويقتنعوا أن طموح حكم اليمن ضمن المخطط الفارسي بعيد المنال باعتبار أن ذلك لم يتم على مدار التأريخ ، ولن يستطيعوا تحقيق ذلك فى الحال أو المآل لعوامل عديدة مذهبيًا وسياسيًا وقبليًا ، مع تأكيدنا إن الإنتصارات التي حققها الحوثيون وهميَّة ، وكأنهم يلعبون مبارأة كرة قدم في ملعب لوحدهم دون فريق منافس أو حكم وجمهور عريض يتفرج بانبهار وتعجّب.. كما يجب أن يعلم الحوثيون أن القبائل والقوى الأخرى تركت الحرب معهم لمعرفتها المسبقة أن هناك مؤامرة اجتثاث لها ، فآثرت السلام على المواجهة ، لكن إذا حمي الوطيس ، وبلغ السيل الزبا ، سيعلمون مَنْ هم رجال اليمن ، كذلك ليس لدى الحوثيين أي مقدرة بالسيطرة على اليمن لضعفهم سياسيًا على مستوى الساحة اليمنية وعسكريًا ، ثم أن غالبية الشعب اليمني لا تنتمي للمذهب الشيعي ، وليعلم الحوثيون كذلك أن هذه المسرحية التي ألفها وأخرجها عفاش أوشكت أو تكاد على قرب نهايتها ، وأن حماقاتهم وسفكهم لدماء اليمنيين في كل بقعة لن تذهب سدى ، وكافية لتوحيد كل أبناء اليمن ضدهم لأنهم تجبَّروا وبطشوا وارتكبوا حماقات كثيرة ، وهي بالتأكيد ستؤدي إلى كتابة نهايتهم متى ما تهيأت ظروف الممانعة على الأرض ، وتم إيجاد رئيس وطني بمواصفات بطولية لتحقيق طموحات اليمنيين بإذن الله ..