الانتخابات الرئاسية .. رؤية شرعية
بقلم/ د. جلال السامعي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 4 أيام
الجمعة 17 فبراير-شباط 2012 06:25 م

تستعد بلادنا الحبيبية هذه الأيام لاختيار رئيس جديد بعد عام من خروج الشباب إلى ساحات الحرية وميادين التغير مطالبين بإنهاء حكم الفرد ومطالبين بالحرية للشعب ، والعيش الكريم.

وبعد مرور أشهر من ثورة الشباب المباركة ، توصل السياسيون بوساطة من بعض البلدان العربية والأجنبية عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلى اتفاق سياسي كان من بنوده إجراء هذه الانتخابات في الحادي والعشرين من فبراير الجاري .

وقد أصدر علماء اليمن بياناً دعو فيه إلى المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات ، وأيد هذه الفتوى الملتقى السلفي اليمني .

والانتخابات الرئاسية تمت بتوافق بين مكونات العمل السياسي على مرشح وحيد توافقي، يتم اختياره كحل وسط بين الفرقاء السياسيين.

وفي هذا الموضوع أحببت أن أدلو بدلوي، واكتب فيه على عجالة ما تيسر لي فهمه وجمعه فأقول والله المستعان وعليه التكلان:

من خلال استقراء نصوص الشريعة السمحة والنظر في المقاصد الشرعية نجد أنها تدل على وجوب المشاركة في هذه الانتخابات لما يلي:

أولاً: شغور منصب الرئاسة يوجب على الأمة اختيار حاكمها

فمنصب الرئاسة يصبح شاغراً في الحادي والعشرين من فبراير كنتاج طبيعي للمبادرة الخليجية الذي يقضي بتنحي الرئيس عن منصبه .

وإذا خلا منصب الرئاسة وجب على الأمة اختيار من يحكمها، ويقيم الدين،ويسوس الدنيا به، ويحفظ الحدود ، ويحمي الثغور ، وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

ففي القرآن الكريم عدة آيات تتعلق بالحكم والسلطان وطاعة أولي الأمر كقوله تعالى [ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] فالآية طلبت من المؤمنين، طاعة أولي الأمر، وأولوا الأمر هم الحكام والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر على المسلمين، والله سبحانه لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فدل على أن إيجاد ولي الأمر واجب شرعاً على الأمة

فالله سبحانه حين أمر بطاعة الحاكم، فإنه يكون قد أمر بإيجاده، لأن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلاّ بها 

ومن هذه الآيات ما ورد في الحكم بما أنزل الله، فقد قال الله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: [فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق] وقال تعالى: [وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك]

فالأمـر مـن الله تعـالـى لرسـولـه (صلى الله عليه وسلم)، جـاء بشـكـل جـازم، وخطـاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل يخصص الحكم بما أنزل الله تعالى بالرسول (صلى الله عليه وسلم)، فيكون خطاباً للمسلمين جميعاً بإقامة الحكم إلى يوم القيامة.

وأما السنة النبوية فقد حفلت بنصوص كثيرة، كلها ترشد إلى وجوب نصب أمير لجماعة المسلمين، ومنها ما نص صراحة على ذلك، ومنها ما نص دلالة، وإن أوضح النصوص النبوية على وجوب نصب خليفة للمسلمين، تلك الأحاديث التي تنص على اختيار أمير لكل جماعة

ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلاّ أمروا عليهم أحدهم)

وما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة بلفظ (إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)

فإذا كان من الواجب على الثلاثة في سفر أن يؤمروا عليهم أحدهم فإمارة الدولة من باب أولى، ويدل على ذلك قوله(لا يحل)أي: أنه يحرم ذلك

وقد حفلت كتب الفقه الإسلامي بالنصوص الدالة على وجوب نصب الإمام على الأمة وحرمة ترك هذا المنصب شاغراً

يقول الشوكاني:(ولفظ حديث أبي هريرة "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم" دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعداً أن يؤمروا عليهم أحدهم، لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى الإتلاف، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه، ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون. ومع التأمل يقل الاختلاف، وتجتمع الكلمة. وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض، أو مسافرين، فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار، ويحتاجون لدفع التظالم، وفصل التخاصم أولى وأحرى. وفي ذلك دليل لقول من قال: إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام)

ويقول ابن رسلان:

فرض على الناس إمام ينصب *** وما على الإله شيء يجب

ومما يدل عل وجوب تنصيب الحاكم أحاديث "البيعة" التي نصت على أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، والأمر بالوفاء بها، للأول فالأول،ووجوب طاعة الحكام، والحث على ضرب عنق من جاء ينازع الإمام، كل هذه الأحاديث تدل على وجوب نصب أمير لجماعة المسلمين، وأن نصبه من قبل الأمة، بموجب ما لها من سلطان أمر فرضه الشرع.

وقد فهم الصحابة الكرام وجوب تنصيب الحاكم عند خلو منصبه فلم يدفنوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وأما الإجماع فقد أجمع سلف الأمة ، وأهل السنة ، وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام - أي توليته على الأمة - واجب على المسلمين.

وأما المعقول: فإن الإنسان اجتماعي بالطبع، ولا بد أن يحدث في هذا الاجتماع ما يعكر صفو الأمن والاستقرار، ولذلك فلا بد للناس من حكومة تدير شؤونهم وحاكم يدير أمورهم فالخلق مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء، وما بينهم من الشحناء ، قلما ينقاد بعضهم لبعض، فيفضي ذلك إلى التنازع والتواثب، بل ربما أدى إلى هلاكهم جميعاً وتشهد له التجربة والفتن القائمة عند موت الولاة إلى نصب آخر بحيث لو تمادى لعطلت المعايش، وصار كل واحد مشغولاً بحفظ ماله ونفسه تحت قائم سيفه، وذلك يؤدي إلى رفع الدين وهلاك جميع المسلمين( ).

يقول الماوردي: (...ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين وهمجاً مضاعين.

وقد قال الأفوه الأزدي، وهو شاعر جاهلي:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا.

كالبيت لا يبتنى إلا له عمد*** ولا عمود إذا لم ترسى أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة *** وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا

ثانيا: الانتخابات الرئاسية وسيلة لتحصيل واجب

إن واجب الأمة إقامة دين الله تعالى، وتحكيم شرعه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقامة الحدود كجلد الزاني وقطع يد السارق ، وهي وإن كانت موجهة للأمة إلا أن المقصود بها الحاكم.

وهذه الأوامر الواجبة التي جاء القرآن فيها بصيغة الأمر للأمة بأسرها لا يمكن تحقيقها إلا بوجود حاكم يقيم الدين ويسوس الدنيا بالدين وقد ذكر فقهاؤنا الأجلاء أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب( )،وقد تعينت الانتخابات كطريقة وحيده لتنصيب الرئيس، فتكون واجبة من هذا الباب.

ثالثاً: الانتخابات الرئاسية تغير للمنكر وطوي لصفحة الظلم

ومما يوجب هذه الانتخابات أنها جاءت كنتاج لثورة الشباب المباركة التي طالبوا فيها بإنهاء حكم الفرد ورد السلطة المنزوعة من الشعب إليه.

كما أنها تعتبر تتميماً لمراحل هذه الثورة التي تعتبر جهاداً في سبيل الله بل من أعظم الجهاد.

وتعتبر المشاركة فيها مشاركة في تغيير.المنكر وإزالته وقد أمرنا الله بذلك بقوله [ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر]

وقال صلى الله عليه وسلم [من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.

والمشاركة في هذه الانتخابات من تغيير المنكر الذي يستطيع عليه كل مؤمن،لما في ذلك من طي لصفحة الظلم ، وإنهاء للعبث بحقوق الأمة وثرواتها.

ولا يصح لقائل أن يقول لا فائدة فيها لكون المرشح واحد وأنها توافقية، لأنها وسيلة من وسائل أخذ البيعة للإمام ، ويجب على كل مستطيع أن يقوم بهذا الواجب.

ومن هذا المنطلق ينبغى على كل من ظل صامتاً طوال هذه الفتره أن يشارك في هذه الانتخابات، ويشارك في التغير الذي ينشده أبنا اليمن.

رابعاً: الانتخابات الرئاسية وفاء بالتزام

ومن ناحية أخرى فإن المشاركة في هذه الانتخابات وفاء بالتزام وذلك من ناحيتين:

الأولى: أنها جاءت نتيجة لاتفاق بين الأطراف السياسية ،فيجب على كل الأطراف والأحزاب الحشد لها وإكمالها وعدم إعاقتها.

الثانية: تعتبر الانتخابات وفاء للشهداء الذي قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله تعالى،وقد كان هدفهم الأول إزاحة الظالمين والمستبدين وبالانتخابات يتحقق الهدف الأول من أهداف الثورة المباركة.

وقد أمرنا الله بالوفاء بالعهود والمواثيق، وإمضاء الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا كما قال تعالى [ياأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود] وقال سبحانه[وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً. إلى غير ذلم من الآيات.

خامساً:الانتخابات الرئاسية إغلاق لباب الفتنة.

ومما يزيد ألأمر أهمية ويحتم وجوب المشاركة في هذه الانتخابات أنها أصبحت الطريق الوحيد للخروج فتنة الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة.

كما أنها تؤدي إلى حقن دماء المسلمين ونشر الأمن بينهم وحفظ أموالهم وأعراضهم وكل هذه من الضروريات التي جاء الإسلام لتحقيقها.

وقد قرر القرافي أن النظام لا يستمر إلا بمترصد بعين الكلاءة لمبادئ الفتن ليتبادر إلى إطفاء نارها قبل تصدي الطغام لذلك، فتختلف الأهواء، ويبقى الناس فوضى مهملين وذلك مفض إلى استيلاء الأراذل على الأفاضل، وامتداد الأيدي العادية إلى الفروج والأموال، ولا يخفي ما في ذلك من حل عصم الدين والدنيا.

قال: فيبين من هذا للناظر البصير أن الإمام ضروري للخلق،وأنهم لا غنية لهم عنه في دفع الباطل وتقرير الحق( ).

سادساً: الانتخابات الرئاسية استجابة لأهل الحل والعقد

وبعد هذا كله فإن الانتخابات تعتبر استجابة لأولي الحل والعقد وهم العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس.

سابعاّ: المشاركة في الانتخابات الرئاسية واجب وطني

وفي تحقيقها تفويت فرصة على الطامعين في تقسيم الوطن والنيل منه، كما أنها تؤدي إلى الحفاظ عليه، وبقائه موحداً وقوياً، ويتأكد الأمر بعد أن سمعنا دعوات لتقسيمه أوتشطيره.

وبناء على ما سبق، فيجب على كل واحد المشاركة في هذه الانتخابات، وتحرم عرقلتها سواء كانت بتخويف الناس اشر الشائعات أو غير ذلك .

مشاهدة المزيد