نصر طه: الثوار وقعوا ضحية مكيدة سياسية باتهام السعودية بمعاداة التغيير في اليمن
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 26 يوماً
الإثنين 25 يوليو-تموز 2011 07:07 م
 
 

أكد الصحفي والمحلل السياسي اليمني، نصر طه مصطفى، بأن الشباب الثائرين في الساحات وقعوا ضحية مكيدة سياسية محكمة دفعتهم لاتهام المملكة العربية السعودية بمعاداة التغيير في اليمن.

وقال طه في حوار صحفي له، نشرته بالتزامن صحيفتا "أخبار اليوم، والناس" ويعيد "مأرب برس" نشره، بأن شباب الثورة فسروا موقف المملكة العربية السعودية من الثورة اليمنية بشكل خاطئ، مشيرا إلى أن هذا التفسير الخاطئ، قد استفادت منه أطراف في السلطة، وأطراف أخرى في المعارضة، مؤكدا بأن أبسط قراءة للموقف السعودي على مدى العامين الماضيين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك انحاز المملكة وقياداتها لخيارات التغيير في اليمن.

وفيا وصف طه محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس علي عبد الله صالح، بأنها واحدة من أخطر عمليات الاغتيال السياسي على مستوى العالم، أكد بأن من نفذ هذه العملية إما إنه كان يريد أن يدخل اليمن في أتون حرب أهلية، أو أنه كان يريد أن يتخذ من دم الرئيس صالح كقميص عثمان مبررا لإنهاء ثورة الشباب وتصفية الساحات من المعتصمين.

واستنكر طه الانتقادات التي توجه لنائب الرئيس، عبد ربه منصور هادي، من قبل البعض، وقال بأن هادي رجل دولة من طراز رفيع، مشيرا إلى أنه يؤيد موقف اللقاء المشترك في إمكانية التعامل الجاد معه، وأضاف بأن البعض يريدون هادي أن يتجاوز النصوص الدستورية، وأن يظهر كما لو أنه يدير انقلابا على الرئيس صالح، وهذا أمر غير ممكن، وله انعكاسات خطيرة على البلد.

وأوضح طه بأن النصوص الدستورية صرحية وواضحة، فنائب الرئيس لا يمكنه أن يتولى صلاحيات الرئيس كاملة إلا بتفويض كامل وصريح منه، كما أنه لا يمكنه أن يتولى منصب الرئاسة إلا باستقالة الرئيس أو موته أو ثبوت عجزه بتقرير طبي موثق.

وانتقد طه إصرار الثوار في الساحات على رفض المبادرة الخليجية، وقال بأنها أفضل مخرج للأزمة اليمنية رغم ما يعتورها من مآخذ، وأضاف بأن على الثوار في الساحات أن يتركوا مساحة كافية للتفاوض والتفاهم على المخرج السياسي، ودعاهم إلى إعادة النظر في موقفهم من المبادرة الخليجية.

كما انتقد طه الشباب المتحمسين للحسم الثوري، وقال بأن "هؤلاء الشباب بحاجة إلى التعريف بمفهوم الحسم الثوري، الذي ليس له سوى نموذج واحد وهو النموذج الليبي، أما النموذجان التونسي والمصري فقد انتهيا باتفاق سياسي، وليس بالحسم الثوري، فما فعله الجيشان التونسي والمصري كان عملا سياسيا، وهذا أمر غير متوافر في اليمن، ولذلك فإن الخارج هو الطرف الوحيد المؤهل لرعاية مخرج سياسي في اليمن بدلا عن الجيش".

أما المجلس الرئاسي الانتقالي الذي أعلن عنه مؤخرا من قبل بعض المكونات الثورية، فقد وصفه طه، بأنه خطوة غير واقعية ولكن يمكن النظر إليه باعتباره حجرا يحرك المياه التي ركدت، وقال بأن إعلانه إن لم ينفع فلن يضر بالتأكيد.

وفيما أشار طه إلى أن الثورة قد حققت أهدافها، أكد بأن نظام صالح قد انتهى من الناحية الواقعية، وقال بأن أي نظام لا يستطيع توفير الخدمات لشعبية ولا توفير الأمن يعتبر نظاما على الورق فقط، ولهذا فإن التغيير أصبح حتميا ومسألة وقت لا أكثر.

كما أكد طه بأن المشهد السياسي القادم سيكون قاتما إن لم يقم الرئيس صالح بتحمل مسؤوليته الوطنية لتجنيب البلاد الكارثة، وقال بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بتولي الرئيس صالح بنفسه بعيدا عن أي مبادرات مهام الترتيب لختام مشرف لحياته السياسية، وأضاف بأن أكثر الخيارات أمنا للوطن وللرئيس وعائلته وللقوى السياسية هو أن يتولى النائب منصب الرئاسة، ما لم فإن الخيارات القادمة ستكون صعبة.

وفيما يلي نص الحوار

أجرى الحوار/ ثابت الأحمدي

ــ وأخيرا أطل الرئيس بصورة مفاجئة بعد طول تكهنات على الفضائيات متحدثا.. أولا ما قراءتك لطبيعة الظهور من أساسه لاسيما وهو بتلك الحال؟ ثانيا: كيف تقرأ خطابه من حيث التوقيت الذي اعتبره البعض استفزازا لإخواننا في الجنوب، وأيضا من حيث مفرداته السياسية؟ وهل الخطاب كما قال البعض سعودي بما تبقى من علي عبد الله صالح؟ أم إنه بإرادة صالح نفسه وبعض حاشيته؟

* كان ظهور الرئيس مسألة وقت وكان أمرا طبيعيا لابد أن يحدث عاجلا أم آجلا... ولولا قوة شكيمته وإرادته وثقته بنفسه لما قبل أن يظهر بالحالة التي ظهر بها لأول مرة... ولو كان لي حق نصحه لنصحته بألا يظهر بتلك الحالة خاصة أنه ظهر بعدها بثلاثة أيام عند استقباله مستشار الرئيس الأمريكي بحال أفضل بكثير مما أربك الناس وجعلهم يتساءلون لماذا لم ينتظر تلك الأيام الثلاثة ليظهر بالصورة الأفضل، وإن كانت الحقيقة أن تصوير خطابه تم قبل إذاعته بأسبوع إلى عشرة أيام، ولا أظن أن موعد إذاعته درس بعناية بحيث يكون في 7 يوليو فكل ما في الأمر أنهم استهدفوا أمرين الأول أن يتم إذاعته بعد سفر وفد حقوق الإنسان حتى يمارسوا إطلاق الرصاص وإفزاع الناس بحجة الفرح والثاني أن يكون يوم الخميس ليلة الجمعة حتى يمكن حشد أكبر عدد ممكن من المتعاطفين لصلاة الجمعة في السبعين في اليوم التالي... على كل حال كنت أتمنى أن يتم تأجيل الظهور والخطاب حتى يكون بحال صحي أفضل هذا من حيث الشكل... أما بالنسبة لمضمون الخطاب فكنت أتمنى أن يكون خطابا متناسبا مع ظروف الظهور بمعنى أنه كان من الأفضل أن يكون خطابا متشبعا بالمعاني الإنسانية بعيدا عن السياسة وكان يمكن تأجيل الجانب السياسي إلى وقت لاحق ففي ظني أن هذا كان أفضل وأنسب... ولا شك أن للرئيس حساباته وقد يكون عمل برأي بعض مستشاريه فيما يتعلق بظروف الظهور الأول ومضمون الخطاب الموجه للمواطنين... وهنا أحب أن أشير إلى أمرين، الأول إدانتي الكاملة لحادث استهداف القيادة السياسية للبلاد الذي تم في جامع الرئاسة لأن العنف مرفوض ومدان في كل الأحوال ولا يمكن تبريره أو القبول به كوسيلة لحل مشكلات البلاد وكما رفضنا وأدنا كل أعمال العنف التي مارستها السلطة ضد المتظاهرين العزل في العديد من المحافظات فإننا ندين محاولة اغتيال الرئيس ورفاقه التي حدثت في الجامع ونتمنى سرعة إنجاز التحقيقات الخاصة بها بحيادية ومصداقية كاملة نظرا لخطورة آثارها على الوضع العام ونحمد الله على نجاة الرئيس ورفاقه ونترحم على جميع الشهداء الذين استشهدوا في الساحات والجامع... الأمر الثاني الذي أحب التنويه إليه يتعلق بتصريح مزعوم نشرته باسمي وكالة يو بي إنترناشيونال الأمريكية متعلق بالظهور الأول للرئيس وقد سبق لي نفيه وهنا أجدد نفيه من جديد نظرا للتشويش الذي حصل بسببه حيث أن الزميل الصحفي همدان العليي كتب رأيا حول ظهور الرئيس ونشره على صفحتي في الفيس بوك وصفحات زملاء آخرين كثر كما هو نظام الفيس بوك فشاهده مراسل الوكالة الأمريكية على صفحتي وظن أنه رأيي فقام بنسبته لي ونشره دون الرجوع إلي مما تسبب بهذا التشويش ناهيك عن أنه حق فكري لصاحبه الأصلي الذي كتبه.. وأحب التنويه هنا أن الشماتة والتشفي اللذان أبداهما البعض عند الظهور الأول للرئيس هو أمر معيب دينيا وأخلاقيا مهما كان مقدار البغض الذي يحمله هؤلاء للرئيس، ومهما برر هؤلاء ما فعلوه فإنه أمر ما كان لهم أن يقعوا فيه، إذ لو غابت القيم والأخلاق عن دعاة التغيير وهم يخوضون معركتهم النبيلة لما بقي فرق بينهم وبين من ينتقدونهم، ولانتهت كل مبررات التغيير هنا .

ــ حتى الآن لا يزال حادث الرئاسة غامضا وعرضة للعديد من التكهنات.. كسياسي ومهتم كيف تنظر إلى الحدث؟ ثم إن ثمة من شكك في الحادثة من أساسها..؟

*  لا يمكن بحال من الأحوال التشكيك في حقيقة الحادث الذي تم في وضح النهار وتابعه العالم بأسره... لست أدري أي سذاجة هذه لدى الذين يحاولون التشكيك في حقيقة هذا الحادث الإجرامي المؤسف الذي تم التخطيط له كما يتضح بعناية بالغة، ويعلم الله كم أخذ هذا التخطيط من الوقت وكم أخذ التدبير الفعلي له من الوقت... إننا أمام واحد من أخطر حوادث الاغتيال التي تمت على مستوى العالم كله لأنه لم يتم في مكان عام بل في مكان خاص معروف بقوة تحصيناته وشدة الاحتياطات الأمنية المحيطة به...

بالتأكيد لا زال هناك غموض حول الحادث كون التحقيقات لم تنتهي ولم تظهر نتائجها لكن هذا الغموض لا يستدعي إنكار البعض له أو التشكيك به وكل أملنا أن تتم التحقيقات بشفافية ووضوح حتى لا يظل مصيره الغموض كما هو حال العديد من محاولات الاغتيال الشهيرة التي تمت في العديد من دول العالم...

وفي الحقيقة فأنا أنظر لهذا الحادث المخيف بنظرة قلق عميق لأن من اخترق هذا المكان المؤمًن جدا لن يصعب عليه اختراق ما هو أسهل منه... ومن الخطورة بمكان انتزاع الشعور بالأمان من الرجل الأول في البلاد كائنا من كان... هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن عواقب هذه المحاولة الآثمة كانت ستكون خطيرة جدا على البلاد فيما لو كتب لها النجاح ولذلك نحمد الله على فشلها وعلى نجاة الرئيس لأن من كان وراءها إما أنه كان يريد إدخال البلاد في أتون حرب أهلية أو كان يريد اتخاذها كقميص عثمان مبررا لإنهاء ثورة الشباب وتصفية الساحات... ولذلك أقول مجددا أن من لطف الله بهذا البلد أن نجا الرئيس ونتمنى له الشفاء العاجل خاصة أنه كان قرر التوقيع على المبادرة الخليجية يوم الثلاثاء ٧ يونيو الماضي رغم رفض عدد من المتطرفين المحيطين به هذا القرار .

ـ بالمقابل كيف تقرأ محاولة اغتيال رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي في هذا التوقيت؟

*  هو حادث خطير بلا شك فمحاولة استهداف حياة زعيم أكبر أحزاب المعارضة عمل إجرامي يقصد به فاعلوه إدخال البلاد في فتنة وقطع الخطوط أمام أي حلول سلمية... لذلك فهو حادث يستدعي الوقوف بجدية أمامه وإجراء تحقيق نزيه ومحايد فيه، ونحمد الله على سلامة الأستاذ اليدومي الذي أعجبني رد فعله المتزن والمسئول برفضه كيل الاتهام دون تثبت ورغبته بإتاحة الفرصة لاستكمال التحقيقات .

ــ ما يتعلق بموقف النائب.. ينفي البعض دستورية صلاحياته وخاصة من الثوار الذين يتهمونه بالعجز وضعف الشخصية وكذا بالمراوغة فيما يرى اللقاء المشترك (الجناح السياسي للثورة) غير ذلك ويصرحون بإمكانية التعامل معه.. ما الذي تراه أنت؟ ما هي الخطوات التي يجب أن يبدأها للخروج بالبلاد من الأزمة الحالية؟ وكيف تنظر إلى خطاب صالح وافتتاحية الثورة الذين تحدث عنه فيهما؟ وهل النائب هو من يمارس الآن إدارة البلاد ـ وإن كان لا إدارة ـ أم غيره؟

*  دعني في البداية أستغرب من الذين ملؤوا الدنيا ضجيجا بأن الرجل لا يملك قرارا جمهوريا بتعيينه نائبا للرئيس ومن بينهم رئيسي كتلتي المؤتمر والإصلاح في البرلمان فهؤلاء كلهم مع احترامي لهم إما خانتهم ذاكرتهم أو أنهم لا يفقهون الدستور فنائب الرئيس صدر بتعيينه قرار رئيس الجمهورية وهو أعلى من القرار الجمهوري في ٢ أكتوبر ١٩٩٤م وأدى اليمين الدستورية في اليوم التالي لتعيينه ومنذ ذلك الحين يؤدي مهامه ولا يحتاج لقرار آخر.. والذين يقولون أن إعادة انتخاب الرئيس مرتين في ١٩٩٩ و ٢٠٠٦ تستلزم إعادة تعيين النائب فهذا غير صحيح لأن الدستور لا ينص على ذلك بل إن الانتخابات الرئاسية لا تستلزم ما هو أهم كاستقالة الحكومة بعدها كما هو الحال عقب الانتخابات النيابية... أما فيما يخص صلاحيات النائب الدستورية فهي واضحة وواسعة خاصة مع تأكيده تفويض الرئيس له في العديد من الأمور بما في ذلك رعاية اتفاق سياسي... ومن معرفتي بشخصية النائب أجزم وأؤكد أنه رجل دولة من طراز رفيع وأنا مع المشترك في إمكانية التعامل الجاد معه... لكن البعض كما يبدو يريد من الرجل أن يتجاوز النصوص الدستورية ويظهر كما لو أنه يدير انقلابا على الرئيس وهذا أمر غير ممكن ولا تقبله أخلاقه ناهيك عن انعكاساته الخطيرة على البلد، فالنصوص الدستورية واضحة ولا يمكن للنائب تولي صلاحيات الرئيس كاملة إلا بتفويض كامل وصريح من الرئيس ولا يمكنه تولي منصب الرئاسة إلا باستقالة الرئيس أو موته أو ثبوت عجزه بتقرير طبي موثق... ولا أظن النائب عاجزا أو ضعيفا لكنه يدرك أنه وجد نفسه في جو مشحون ومتوتر ودقيق من الطرفين ومع ذلك فإنه كان قادرا أن ينجز أكثر مما أنجزه خلال فترة الشهر والنصف الماضية ومن ذلك على سبيل المثال وقف المواجهات في تعز وأرحب ونهم وإقالة بعض المسئولين الأمنيين المتسببين في التوتر وكذلك حل أزمة المشتقات النفطية ومشاكل انطفاءات الكهرباء... وأظن أن هناك من النافذين من يريد أن يقوض جهود الرجل المعروف بجديته وصرامته خاصة أن شرعيته الدستورية كنائب للرئيس تمكنه من عمل الكثير في مثل هذه القضايا المتعلقة بأمن واستقرار المواطنين ومعاناتهم المعيشية .

ــ على الرغم من تحديد الثوار موقف بشأن المبادرة الخليجية إلا أنها لا تزال موضع تداول سري بين أروقة أحزاب اللقاء المشترك كما هو الشأن نفسه بالنسبة للخليجيين.. ما ذا ترى؟

* في تصوري أن المبادرة الخليجية كانت أفضل المخارج الممكنة للأزمة السياسية القائمة رغم ما يعتورها من النقص ويشوبها من القصور، وأخشى أن الوقت قد فات عليها وأنها لكي تكون صالحة الآن لابد من تعديلها... وإذا كان المشترك هو الجناح السياسي للثورة بحسب تسميتك فيجب على الثوار أن يتركوا له مساحة كافية للتفاوض والتفاهم على المخرج السياسي... ولذلك فعلى الثوار أن يعيدوا النظر في موقفهم من المبادرة الخليجية ببلورة رؤية تنفيذية تطويرية لها وطلب ضمانات واضحة بتنفيذها حرفيا وعدم الانقلاب عليها ...

ــ يتهم كثيرون المملكة العربية السعودية بعدائها الصريح لليمن من خلال موقفها الأخير وتحيزها الواضح لصالح ونظام حكمه.. لماذا هذا التحيز؟ ولماذا تقف المملكة على الدوام ضد مصالح الشعب اليمني؟ ثم كيف تنظر إلى الارتباط الوثيق بين موقف المملكة والموقف الأمريكي في الشأن اليمني؟

*  يؤسفني القول أن الشباب الثائر وقع ضحية مكيدة سياسية محكمة دفعته لاتهام المملكة بمعاداة التغيير في اليمن واستفزازها وتفسير مواقفها بشكل خاطئ استفاد منه أطراف في السلطة وأطراف أخرى في المعارضة... ذلك أن أبسط قراءة للموقف السعودي وتطوره على مدى العامين الماضيين أي ما قبل الثورات العربية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك انحياز المملكة وقيادتها لخيارات الشعب اليمني في التغيير ولست أدري من أين جاءت فكرة انحياز المملكة للسلطة القائمة وهذا مما يؤكد بالفعل أن الشباب وقعوا في مكيدة سياسية تم إعدادها بعناية بالغة... فالمملكة صرحت أكثر من مرة أنها مع خيارات الشعب اليمني، كما أنها دفعت مجلس التعاون الخليجي أكثر من مرة لإعلان ذات الموقف باعتبارها القوة الأكبر في المجلس، ناهيك عن أن المبادرة الخليجية في جوهرها تنص صراحة على رحيل الرئيس عن السلطة... ولعلكم تتذكرون الخبر الذي تم تسريبه قبل حادث جامع الرئاسة بأيام عن اتصال الملك عبدالله بالرئيس صالح ودعوته له بضرورة نقل السلطة فورا ولم يتم نفيه لا في الرياض ولا في صنعاء الأمر الذي يدل على صحته...

ما أريد أن أخلص إليه أن الموقف السعودي هو مع التغيير في اليمن باعتبار ذلك هو الحل الأمثل للاستقرار... ولن أبالغ إن قلت أن هذا الموقف بدأ يتبلور من قبل اندلاع الثورات في المنطقة العربية وبالذات خلال العام 2010م الذي كان عام الإعداد لمؤتمر أصدقاء اليمن وأثبتت فيه القيادة والحكومة اليمنية فشلهما الذريع في تلبية المتطلبات الخاصة بانعقاد المؤتمر الوزاري الثاني لأصدقاء اليمن وإنشاء صندوق الدعم حيث فشلتا في إثبات جديتهما في عدد من القضايا كالحوار الداخلي ومحاربة الفساد وبناء حكم رشيد وقضاء مستقل وغير ذلك من القضايا والحديث يطول في هذا الأمر... فقد كان الأداء الحكومي اليمني في تلك المرحلة محل استياء شديد من المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الذين كانا يخشيان من انتقال اليمن نهائيا إلى مرحلة الدولة الفاشلة كليا وما سيترتب عليه من مخاطر ...

أما فيما يتعلق بالترابط بين الموقفين السعودي والأمريكي فأود أن أقول لك أن هذا الترابط بدأ من لحظة التحضير لمؤتمر أصدقاء اليمن وليس من اليوم بل ولعله بدأ قبل قصة الطالب النيجيري، فالبلدان يتابعان حالة التدهور المتواصلة في أداء الحكم في اليمن على جميع الجبهات سياسيا واقتصاديا وأمنيا وغير ذلك منذ تصاعد المواجهات العسكرية مع الحوثيين ثم تصاعد نشاط الحراك الجنوبي ثم الخلاف المتواصل مع أحزاب المشترك كل ذلك مصحوبا مع الصراع التكتيكي المستمر مع القاعدة منذ عشر سنوات وانشغال النظام بالترتيب للتمديد كمقدمة للتوريث فيما كل شيء في البلد يتراجع من التنمية إلى الموارد إلى الأمن والاستقرار إلى هيبة الدولة إلى الخدمات بمختلف أنواعها... ولذلك كله كان الحليفان السعودي والأمريكي يراقبان الوضع عن كثب في اليمن، وفيما كانا يفكران على استحياء بأن تغيير النظام الحاكم أصبح ضرورة قصوى باعتباره أثبت فشله في إدارة ومواجهة كل هذه التحديات فإنهما وبعد موجة الثورات الشعبية في المنطقة واندلاعها في اليمن طالبا بالتغيير صراحة ودون مواربة وأنه أصبح حتميا ومن هنا بدأت واستمرت محاولاتهما ومبادراتهما لإنجاز التغيير ونقل السلطة بصورة سلمية ومشرفة وكان آخرها لقاء مستشار الرئيس الأمريكي برينان بالرئيس صالح في الرياض حيث أبلغه ضرورة الإسراع في نقل السلطة .

ـ لكن السعودية كما يقال قلبها مع المعارضة وسيفها مع صالح... ثم هل نسيت وصفها لشهداء محرقة تعز بالمتمردين؟ آل سعود ضد اليمن أريد قراءتك للمشهد؟

*  أعطني نظاما رسميا عربيا واحدا لن يسمي الشباب الثائر بالمتمردين... ربما اليوم فقط يمكن استثناء النظامين المصري والتونسي من ذلك لأن ثورتيهما نجحتا وتحرر البلدان من الاستبداد وتحرر إعلامهما... أما بقية الأنظمة فلن تسمي الثوار إلا بالمتمردين... ومع ذلك يمكنك قراءة الموقف السعودي من ثورة الشباب في اليمن من خلال مثقفي المملكة وصحفييها الذين وقفوا صفا واحدا إلى جانب الثورة مؤيدين للتغيير... ولو كانت المملكة مع الرئيس صالح كما قلت فإنها كانت ستطلب من هؤلاء الأكاديميين والصحفيين عدم التعرض بالنقد للرئيس وللنظام في اليمن حتى تتجنب الإحراج... ومع ذلك أقول لك أن حادث جامع الرئاسة ووجود الرئيس في المملكة للعلاج سيجعلها تتأنى في اتخاذ أي موقف من باب اللياقة الدبلوماسية ولديها كامل الحق في ذلك... وعلى كل حال فالعلاقات اليمنية السعودية بحلوها ومرها قصة طويلة يصعب روايتها وتحليلها في حديث صحفي أو تحليل سياسي ...

ــ فيما بين الحسم السياسي والحسم الثوري للمشهد الراهن.. ما الذي تراه ممكنا؟ وما رأيك في الإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي انتقالي مؤخرا؟

*  أقول للشباب الذين يتحدثون عن ضرورة الحسم الثوري أننا بحاجة لتعريفهم لمفهوم الحسم الثوري الذي لا أستحضر له نموذجا إلا النموذج الليبي الذي نرجو الله ألا نقع فيه... أما النموذجين التونسي والمصري فقد انتهيا باتفاق سياسي وليس بالحسم الثوري فما فعله الجيشان التونسي والمصري كان عملا سياسيا وهذا أمر غير متوافر لدينا ولذلك فإن الخارج هو الطرف الوحيد المؤهل لرعاية مخرج سياسي عندنا بدلا عن الجيش...

لذا فإن أي تعديلات دستورية قادمة يجب أن تتضمن نصوصا واضحة لتحييد الجيش والحيلولة دون وقوعه تحت تأثير أي سلطة عائلية أو حزبية أو مناطقية لأن تكرار مثل هذا الأمر سيجعل البلد رهينة بيد قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت...

أما بالنسبة للمجلس الرئاسي الانتقالي الذي أعلن عنه مؤخرا فقد لا يكون خطوة واقعية بالتأكيد لكن أعجبتني إلى حد كبير تشكيلته رغم ما شابها من نقص، وبالإمكان اعتباره حجرا يحرك المياه التي ركدت منذ وقت طويل، وإعلانه إن لم ينفع فلن يضر بالتأكيد... ومن المهم التأكيد هنا أن ثورة الشباب في اليمن اكتسبت إعجاب العالم كله نظرا لسلميتها ولصمودها وطول صبر الشباب وحرصهم على عدم الانجرار إلى العنف، وأظن أن الثورة قد حققت أهدافها فالعالم كله مع تغيير النظام في اليمن الذي أعتقد أنه قد انتهى من الناحية الواقعية... فأي نظام لا يستطيع توفير الخدمات لشعبه ولا توفير الأمن هو نظام على الورق فقط، ويكفي أن تنظر إلى مشهد السبعين كل جمعة لتدرك ذلك رغم المكابرة والحديث عن ملايين لا وجود لها... التغيير أصبح حتميا ومسألة وقت فقط ولذلك يجب أن يتحلى الشباب بالمزيد من الصبر وبروح التسامح والأخوة والمحبة حتى يكونوا أهلا لبناء اليمن الجديد الذي يطمح إليه الجميع .

ـ إذا كان الأمر كما تقول فلماذا تصر السلطة على الاحتفال ب 17 يوليو حتى في هذا الظرف ؟ !

*  أولا من المستغرب أن يتم الاحتفال بهذه الذكرى – مع احترامي الشخصي الكبير لها ولصاحبها – في بلد يقول نظامه أنه تعددي ديمقراطي، فلا يوجد نظام ديمقراطي تعددي في العالم يحتفل بذكرى انتخاب رئيسه وأكثر من هذا أن تتواصل الاحتفالات على مدى ثلث قرن بهذه المناسبة ومثل هذا الأمر على فكرة لم يحدث مرة واحدة في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك رغم استبداديته لأنه أمر معيب في بلد ديمقراطي... تصور أن أوباما أو كلينتون أو بوش يحتفل سنويا على مستوى البلاد كلها بذكرى انتخابه... وثانيا من الإنصاف القول أن الرئيس علي عبدالله صالح قد أنجز الكثير وفي مقدمة إنجازاته استعادة وحدة اليمن ولكن المرء أيا كان يفقد القدرة على العطاء ويحس بالملل والسأم بعد ثلث قرن من وجوده على رأس السلطة وهذا ما قاله بنفسه في أكثر من مناسبة وبالذات في خطابه الشهير في 17 يوليو عام 2005م... لقد مرت دورة زمنية كاملة منذ 17 يوليو 1978 الموافق 12 شعبان 1398 هجري إلى 17 يوليو 2011م الموافق 16 شعبان 1432هجري عاد فيها شهر شعبان ليلتقي بشهر يوليو لأول مرة في يومين متقاربين جدا وهذا يحدث كل 33 سنة مرة واحدة... والعبرة هنا في أن اليمن بعد ثلث قرن عاد لنفس النقطة التي استلم فيها الرئيس السلطة عام 1978 من اضطرابات قبلية.. وتمردات مسلحة.. وخلافات سياسية حادة.. وتفكك للتماسك الاجتماعي.. وغياب كامل لهيبة الدولة.. وفساد مستشري.. وفوضى وانفلات أمني.. وتمزق للجبهة الداخلية.. وأزمة ثقة بين شمال اليمن وجنوبه.. وتبعية شبه كاملة للخارج.. مع فارق واحد لصالح 1978 حيث كان الوضع الاقتصادي والمعيشي أفضل مقارنة بما هو عليه اليوم.. لذلك فاليمن يحتاج اليوم لفارس جديد يقوده لبر الأمان تماما كما فعل الرئيس صالح في عام 1978 عندما وصل بالشمال إلى بر الأمان وقاده لاستعادة الوحدة مع شطره الجنوبي ثم أوصل الوحدة لبر الأمان ليستمر الخط التصاعدي حتى بروز مشروع الاحتكار الكامل للسلطة بالتفرد والتمديد والتوريث فبدأ الانحدار حتى وصلنا إلى هذه اللحظة الصعبة الحالية التي وجد شباب اليمن أنفسهم فيها أمام خيار واحد فقط وهو الثورة السلمية والخروج إلى الشارع لإحداث التغيير وإنقاذ البلاد .

ــ على ضوء ما يجري اليوم كيف تقرأ المشهد السياسي القادم؟

* المشهد السياسي القادم سيكون قاتما إن لم يقدم الرئيس على تحمل مسئوليته الوطنية بتجنيب البلاد كارثة... ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يتولى الرئيس بنفسه – بعيدا عن أي مبادرات – القيام بالترتيب لختام مشرف لحياته السياسية فهو قد حكم ثلث قرن كما أشرنا قبل قليل بحلوها ومرها أصاب فيها وأخطأ وأنجز الكثير وأخفق كذلك في البعض ومن حقه أن يستريح ويصبح كما قال في يوم ما رئيسا سابقا معززا مكرما... هو التزم بعدم التمديد والتوريث... وعليه الآن أن يقدم كل الضمانات لتنفيذ التزامه وفي ظني أن أكثر الخيارات أمنا للوطن وللرئيس ولعائلته وللقوى السياسية هو أن يتولى النائب الرئاسة... ما لم فإن الخيارات القادمة ستكون صعبة... وأخشى من رهان البعض على خيار القوة لإنهاء ثورة الشباب لكني أظن أنهم يدركون أنه خيار منعدم النتائج تماما، وأن اليمن الذي أعطاهم الكثير ولم يأخذ منهم إلا القليل يستحق منهم التضحية بالسلطة التي لم تدم لأحد على مر التاريخ.