المرأة من النضال إلى الحرية
بقلم/ كاتبة صحفية/سامية الأغبري
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 24 إبريل-نيسان 2012 11:29 م

مشاركة المرأة سياسيا وثوريا.. تحديات ومخاطر متوقعة

في البدء أحب التنويه إلى إن ما أعددته هنا ليس ورقة بمعناها العلمي والبحثي أنما حديث عن واقع للمراة اليمنية أعايشه كل يوم.

توطئة

كثيرون يتحدثون اليوم عن شجاعة المراة وكسرها حاجز الخوف والعادات والتقاليد.. يتحدثون عن مشاركتها في الثورة، ولم يتحدث أحد عن نساء ناضلن لسنوات ولازلن حتى اليوم، ويبدوا الأمر وكأنه إلغاء لتاريخ نضالي نسوي على مدى عشرات السنين – قد أكون مخطئة لكن هذا مالحظته –كأننا نتجاهل أن زهراء صالح اعتقلت لشهرين أو أكثر في معسكر طارق في نوفمبر2010م أي قبل أشهر من اندلاع شرارة الثورة في شمال الوطن، وهي أول إمراة تعتقل، كما اعتقلت المحامية والناشطة عفراء حريري، لانتحدث أن رحمة حجيرة كانت تقود مسيرات وان تبدلت قناعتها لاحقا ذلك لايلغي أنها كانت بشجاعة تقود مسيرات احتجاجية ضد النظام، وقبلهن نساء منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى اليوم، شجاعة المرأة لم تكن وليدة 2011م أو عامين أو ثلاثة من قبله، عندما أتحدث عن نضال وكفاح المرأة قبل الوحدة في شمال الوطن وجنوبه، نتحدث عن أمة العليم السوسوة.. وعاتكة الشامي وجميلة على رجاء ورمزية الإرياني وفاطمة أبوبكر وأروى عبده عثمان وجميلة على رجاء وأمل الباشا وسعاد القدسي وطيبة بركات وامينة على رشيد ورضية شمشير ورؤوفة حسن، وغيرهن، عندما نتحدث عن الثورة فإننا نكمل مشوار دعرة بنت سعيد التي حملت سلاحها ضد المستعمر البريطاني ورفيقة أول شهداء ثورة الجنوب ضد المستعمر البريطاني راجح لبوزة عن نجوى مكاوي التي قادت دبابة المحتل وطافت بها شوارع كريتر، حينما نذكر نضال المرأة اليمنية نتذكر عيشة سعيد، أنيسة سليمان، نجاة راجح، منيرة محمود، هيام معتوق، وعادلة صالح عوض، رضية شمشير وفوزية الشاذلي وشفيقة مرشد واعتدال ديرية، وحين نتحدث عن إمرأة تحدت تقاليد المجتمع وعاداته نذكر "صافيناز ونورا خليفة، ونفيسة عبد الله ورضية إحسان ونجاة حسن، منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وكان المد القومي فتصاعد نشاط المرأة وأيدت الثورات العربية ضد المستعمر، تاريخ نضالي للمرأة في اليمن شماله وجنوبه لاتكفه مجلدات كان يصعب تجاوزه للحديث عن مناضلات اليوم فقط، لايمكن تجاهل نضال رقية ناصرو نبيهة حسن وعيشة بازرعة، صفية جعفر، وفريال فكري وفاطمة هانم وقدرية جعفر وغيرهن من اللاتي أسسن جمعية المرأة العدنية، لاننسى من وزعن المنشورات وقدن المظاهرات والاعتصامات وانضممن إلى الجبهة القومية وجبهة تحرير الجنوب آنذاك.. وحوكمن وحوصرن وهدمت منازلهن إن شجاعة المرأة اليمنية ليست وليدة هذا القرن، نتذكر بفخر المناضلة صالحة والدة الشهيد علي شايع ونعمة بنت سعيد، وأمنه اليافعي، وفتحية باسنيد وأنيسة سالم وزهرة هبة الله، نتذكر خديجة الحوشبية التي قتلت برصاص الانجليز.. وغيرهن كثيرات لايتسع المكان ولا الزمان لذكر تاريخهن النضالي المشرف.

حق المراة اليمنية في المشاركة السياسية واقع غير ملموس

عانت ولازالت المرأة اليمنية كثيراً من الظلم والتهميش، عانت من مجتمع ذكوري أقصاها بإسم الدين وباسم العادات والتقاليد، همشتها القوى التقليدية والدينية وكذلك فعلت الأحزاب السياسية وإن ادعت أنها تساند وتدعم مشاركتها. نلحظ المشاركة الضئيلة جدا للمرأة في المجال السياسي وحتى، وفي الانتخابات حين كانت تحضر وبذلك الكم الكبير حضرت كصوت للمرشح الرجل ومرجحة لكفة احدهم أمام أخر في الانتخابات.

النظام السياسي يعد السبب الرئيسي إما لمشاركة فاعلة للمراة أو لتهميشها وإقصائها، بالتأكيد من وجهة نظري أن السياسة العامة للدولة هي عائق أمام مشاركة المرأة ومثلا وإذا ماعدنا إلى ماقبل22 عاما أي ماقبل الوحدة اليمنية، سنرى تجربة الحزب الاشتراكي ذو التوجه اليساري الذي كان يمكن أن يشكل خطراً على بعض مكاسب نالتها المرأة منذ ثلاثينات القرن الماضي بنضالها، لكن تجربته كانت رائدة في إشراك المرأة بكل مجالات الحياة، نظام الحكم في جنوب اليمن قبل الوحدة خير دليل على نيل المرأة لحقوق فقدتها بعد الوحدة، في ظل نظام علي عبد الله صالح نعم تراجع مخيف لمشاركة المرأة، في ظل حكم قبلي واسري ومجتمع منغلق ومحافظ، يتذرع تارة بالدين وتارة أخرى بالعادات والتقاليد - بحجج ومبررات في الحقيقة لاعلاقة للدين بها الدين الذي كرم المرأة، واتى من يعتقدون أنهم ممثلون عنه ليهينون المرأة بإسمه وهو بريء مما يفترون، كانت المرأة إبان حكم الاشتراكي متساوية مع أخيها الرجل في الحقوق والواجبات ما جعلها حاضرة وشريكة فاعلة للرجل، لم تمنعها عادات ولا تقاليد ولا فتاوى دينية من خوض غمار السياسة والاقتصاد ومجندات، ونظام صالح لو أراد إشراك المرأة حقيقة لامجرد ديكور وتجميل أمام المجتمع الدولي لاستطاع فعل ذلك ولتحدى العادات والتقاليد والفتاوى التي كان يتحجج بها نظامه، فهو حين قرر تجنيد فتيات في الشرطة تحدى العادات والتقاليد والفتاوى الدينية وجند عدد كبير من النساء في الشرطة والجيش والقوات الخاصة ومكافحة الإرهاب.

المرأة حاضرة كناخبة لامرشحة

كان المؤتمر الشعبي العام قد نكث بوعود سابقة قطعها للنساء بمنحهن نسبة 30% أو 15% من المقاعد!!كنا حينها نقول أن المؤتمر يبدوا أدرك فعلا أهمية إشراك المرأة في العملية الانتخابية كمرشحة وليس كناخبة، لكن أي من تلك الوعود لم تنفذ وأي من الأحزاب بما فيها المؤتمر لم تقدم المرأة ولم تدعمها في كل الانتخابات السابقة كمرشحة، وفي انتخابات المجالس المحلية بـ2006م ورغم ضئآلة عدد المرشحات وتراجع عددهن إلا أن المترشحات لم يحظين بالفوز بل تراجع عددهن في تلك المجالس، وحتى النساء اللاتي تقدمن للترشح عانين من محاربة الرجل، حتى المؤتمر الشعبي العام حين ترشحت امرأة ومؤتمريه ترشح أمامها رجل رغم وعود حزبها وتوجيهات الرئيس التي لم تنفذ بإفساح المجال للمرأة وتنازل الرجل أمامها.

وظلت المرأة في اليمن مجرد صوت للمرشح الرجل. ففي العام 1993م شاركت كناخبة بـــ500 الف ووصل العدد في انتخابات 1997م إلى مليون ونصف المليون وفي انتخابات 2003م البرلمانية كانت النسبة كبيرة للمرأة كناخبة حيث وصل عددهن إلى ثلاثة ملايين ونصف، وارتفع العدد في انتخابات 2006م حسب السجل إلى أربعة ملايين ناخبة ومع هذا لم يقدر للمرشحات الفوز لان المرأة نفسها لاتمنح صوتها إلا للمرشح الرجل بسبب خضوعها وتبعيتها للرجل"الأب أو الزوج أو الأخ" الذي غالبا مايقرر لها مرشحها. والمرأة كما ذكرنا سابقا بالنسبة للأحزاب سلطة ومعارضة هي مجرد صوت فقط، الأحزاب تتذرع بتركيبة المجتمع القبلي وعاداته وتقاليده لتتنصل من واجباتها والتزاماتها تجاه المرأة ومنحها حقوقا كفلها حتى النظام الداخلي لتلك الأحزاب، ونعلم انه لايمكن للأحزاب المغامرة في دوائر قد يكسب فيها مرشحها الرجل وتقدم امرأة كمرشحة قد تخسر الانتخابات! ووفقا لإحصائيات اللجنة العليا للانتخابات فقد كان إجمالي عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها الأحزاب المشاركة في انتخابات2003م في اليمن إلى خمسة ملايين و996 الف و39 صوتا من بينها مليونين 471الف و6 أصوات للمرأة وبنسبة 41، 21% حيث حصل المؤتمر الشعبي العام" الحاكم" على ثلاثة ملايين و465 الف و117 صوت من الأصوات الإجمالية للناخبين من بينها مليون و488 الف و732 صوتا من أصوات النساء بينما حصل التجمع اليمني للإصلاح المعارض على مليون و349 الف و485 صوتا منها 534 الف و62 صوتا من النساء وحصل الحزب الاشتراكي اليمني على 291 الف و541 صوت من بينها 113 الف 808 أصوات من النساء وحصل المستقلون على 620 الف و615 صوت منها 232 الف و660 صوت من النساء، فيما توزعت بقية الأصوات بنسب متفاوتة على بقية الأحزاب. وتصل نسبة النساء الناخبات إلى مايقارب43% من إجمالي عدد الناخبين إضافة إلى أنهن يشكلن 49% من نسبة السكان.

في العام 2001م فازت المرأة بــ26 مقعدا من مقاعد المجالس المحلية على الرغم من إن عدد من خضن الانتخابات كان 120 امرأة من بين 22 الف و892 مرشحا من الذكور لعضوية المجالس المحلية وسجلت المرأة بذلك حضورا على مستوى المحليات إلا أن العدد في الانتخابات 2006م التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية شهدت تراجعا كبيرا لمشاركتها كمرشحة. كما في الانتخابات البرلمانية فقد شهد حضورها أيضا في البرلمان تراجعا سلبيا ففي 93 م فازت امرأتان من أصل 48 مرشحة وللمرة الثانية نجت امرأتان أيضا من أصل 23 امرأة ترشحت لانتخابات عام 97م، وفي انتخابات 2003م لم تنجح سوى امرأة واحدة فقط من بين 11مرشحة.

مشاركة المرأة في النضال السلمي (الدوافع والظروف – ساحة صنعاء)

حقيقة إن ثورة اليمن بدأت في جنوب الوطن عام2007م حيث سقط عدد كبير من أبناء المحافظات الجنوبية شهداء وجرحى وزج بالآلاف في المعتقلات، حين اعتقلت النساء، لقد استخدم كل ماكان محرم ضد المرأة كانت أول معتقلة بسبب أرائها هي "زهراء صالح " في محافظة عدن جنوب اليمن التي اعتقلت في نوفمبر 2010م لما يقارب الثلاثة أشهر في معسكر طارق وبعدها أيضا في عدن اعتقال المحامية والكاتبة عفراء حريري، والعام الماضي الناشطة توكل كرمان، وعلى العكس مما توقع أثارت هذه التصرفات والممارسات الشعب وزاد من احتقانه وتصاعدت الاحتجاجات ضد النظام، هذا يدل على أن ثورة المرأة وشجاعتها كانت قبل 2011م بسنوات، لقد ثارت ضد النظام، بكتاباتها وطالبت بالثورة، وانتقدت بشجاعة ودون خوف رأس النظام في وقت كان يعد من المقدسات وذات لايجوز المساس بها، دعت إلى الاعتصامات، فكان أن خصصت صحف وصفحات للنيل منها وقذفها عله بذلك يخرس قلمها كوننا في مجتمع محافظ مثل هذه التهم تكسرها، لكنها لم تنكسر ولم تخرس بل زادت قوة، فلجأ إلى اعتقالها. إذن الثورة لم تكن أولى خطوات نضال المرأة بل جاء تكملة لنضالها على مدى سنوات طويلة.

إسهامات المرأة في الثورة ومكاسبها... هل عبرت الثورة والمرأة عنهما؟

لازلت أتذكر الأيام الأولى للثورة وبداية كسر حاجز الخوف لدى كل الشعب والخروج بثورة شعبية عارمة. على جانبي الطرقات بعضهم متفرج وآخرون حريصون على تصوير تلك اللحظات بهواتفهم النقالة التي ربما لن تتكرر في السنوات القادمة، نظرة إشفاق تلاحقنا وأخرى مستنكرة ومتسائلة من انتم؟ من انتن؟ لتقفون بوجه صالح، أحدهم قال : تعتقدين انك ومن معك ستسقطون صالح؟ شخصيا كنت مليئة بالإيمان وبالثقة أننا فعلاً نستطيع إسقاط نظامه. وقلت له أننا وشباب الثورة لدينا سلاح أقوى من أسلحته، إيماننا بحقنا أن نستعيد اليمن!لم يصدقون أن هؤلاء النساء والرجال سيغيرون مجرى التاريخ في اليمن.. وسيواجهون بشجاعة ذلك القتل والإرهاب والتدمير، وأن المرأة الضعيفة في مجتمع محافظ ستتقدم الصفوف وتسقط نظام صالح! لكنها فعلت لتقول لهذا المجتمع الذكوري هأنذا تقدمت أشعلت ثورة وتقدمت الصفوف، لست ناقصة عقل ودين، لست أقل شجاعة وتضحية وكفاءة منك أيها الرجل.

نعم دعت المرأة وقادت الثورة ولم تكن مطالبها خاصة، كان مطلبها هو مطلب كل أبناء الشعب رجاله ونسائه من اجل الحرية للوطن من النظام العائلي، فهي مدركة إن سلب حقوقها هو جزء من سلب حقوق كل المواطنين، انتصرت ثورة تونس والتي كانت المرأة شريكة في صناعة هذا الفعل العظيم.. التخلص من الديكتاتور، وجاءت الدعوة حسب ما أتذكر ليل 15 يناير من الناشطات" بلقيس اللهبي، هدى جعفر، وميض شاكر، وأمل الباشا" لمسيرة أمام السفارة التونسية لتهنئة الشعب التونسي وفي ذات الوقت كان طلاب في جامعة صنعاء يصيغون بيان الثورة الأول والذي كان مطلبه واضحا"رحيل النظام" كان الرئيس السابق صالح يهدد بصوملة البلد وكان وعيد إمرأة ردا على تلك التهديدات..

كانت الناشطة بلقيس اللهبيي من على قناة الجزيرة ترد عليه "علي صالح يهدد بالصوملة والعرقنة ونحن نهدده بالتونسة". هكذا دعت المرأة اليمنية للثورة، قادتها، قدمت الكثير من التضحيات لم تكتف بصناعة الطعام للثوار والدعاء لهم من المنازل، وتقديم حليها الذهبية كتبرعات، لم تكتف بتقديم ابنها، زوجها، أخاها وأباها شهيد، بل كانت شريكته في الميدان، قاسمته المعاناة، الشهادة. الألم اعتقلت واختطفت.

فقد قام الأمن في إحدى المسيرات بصنعاء باختطاف ثلاث طبيبات، وبعد ساعات أطلق سراحهن بعد تهديد الثوار بالزحف لتحريرهن، واستشهدت المرأة أثناء مشاركتها في المسيرات، ضربن وكن بعدساتهن يوثقن للثورة، كن يشهدن جرائم نظام صالح اليومية بحق الثوار وكانت تعز الحالمة عاصمة الثورة متميزة حتى في تقديم التضحيات.. مدينة شهيدات الثورة حيث سقطت عدد من ثائراتها شهيدات وروين بدمائهن الطاهرة ثرى الوطن وشجرة الحرية، عزيزة، تفاحة وياسمين وزينب، وراوية وغيرهن.. بدمائهن شاركن الرجل كتابة تاريخ اليمن وصناعة فجر جديد، سطرن أعظم ملاحم التضحية والفداء، حضور أجزم إن أية ثورة لم تشهد مثله.. هل هناك أعظم من تلك الأم يوم عيدها الذي أتى بعد أيام من مجزرة جمعة الكرامة -قالت وهي تبكي ولدها احد شهداء 18 مارس "ابني غالي لكن الوطن أغلى قدمته فداء للوطن وعلى استعداد لأجل هذا الوطن أن أقدم الآخر" أية تضحية تقدمها عزيزة شهيدة تعز وهي تعمل جاهدة على حماية شباب الثورة في تعز وتقول لهم"سيروا وأنا سأحميكم" وأخرى تصب الماء على شباب الثورة لتخفف عنهم حرارة الشمس وقسوتها. رباطة جأش شقيقة الشهيد هاني الشيباني في تعز وهي تكتب على جدار منزلها بدمائه التي تناثرت كما جسده في أرجاء الغرفة" إرحل ياسفاح" وتلك التي تداوي جراح الجرحى وتشاركهم الألم والدموع. المرأة اليمنية تشارك في صناعة مجد بلدها ومستقبل أبنائها، شاركت في اللجان في ساحة التغيير، نجدها في اللجنة الأمنية في مداخل الساحات يفتشن النساء وفي مناطق تعتبر خطرة إذا ماتعرضت للهجوم، وفي اللجان الطبية، والإعلامية، شاركن في قيادة المسيرات. وهكذا كانت المرأة تهتف للحرية وتقدم التضحيات، في معظم شوارع وساحات الجمهورية، لتدلف إلى المستقبل الأجمل الذي يبدأ من إسقاط نظام على عبد الله صالح وينتهى بإسقاط موروثات كبلت المرأة لعقود وحرمتها من ابسط الحقوق. كيف لاتكون قائدة ورائدة الفعل الثوري وهي حفيدة بلقيس وأروى، كيف لا وتاريخ ليس ببعيد يسطر بطولة دعرة بنت سعيد بحروف من نور، تلك المرأة إبنة الجنوب التي حملت السلاح جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل لتقاتل الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، و يبقى من الإنصاف القول إن كانت المرأة اليمنية وصلت لشيء لم يكن نتاج نضال نساء اليوم بل نتاج نضال النساء منذ عشرات السنين الذي بدأ في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي في جنوب اليمن وخمسينياته في الشمال، واستمر حتى اليوم، نحن اليوم نكمل مشوار بدأته تلك النسوة وسيأتي من بعدنا من يكمل المشوار.

التهديدات والتحديات المتوقعة و تطورات الموقف الثوري. ومخاطر فقدان المرأة للجزء الذي كسبته من حقوقها

غضبت النساء حين أعطى نظام علي عبد الله صالح الضؤ الأخضر لتأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أكثر من عامين، كانت أولى فتاوى هذه الهيئة حول "الكوتا"واصدر كتيب تحت عنوان رسالة علماء اليمن بشأن الكوتا النسائية" و يحرم علماء المسلمين الكوتا التي تطالب بها عدد من المنظمات والقيادات النسائية لإشراك المرأة في العملية الانتخابية كمرشحة، الفتوى أثارت ردود فعل غاضبة ومستنكرة من قبل المنظمات والقيادات النسائية واعتبر ما جاء فيه قذف للمحصنات وذلك يتناقض وروح الإسلام الذي منح المرأة حقوقا جاء هؤلاء وباسم الدين ليسلبوها إياها! نذكر هنا بعض مما جاء في الكتيب"مشروع الكوتا النسائية "يتعارض مع ديننا ويتعارض مع ما فطر الله عليه الرجال والنساء ويتعارض حتى مع دعوى المساواة بين الرجال والنساء عند من يتبناها، كما أنه يصادر حقوق الرجال في عدد من الدوائر رغم أنوفهم" وقال العلماء في الكتيب "من حقها أن تسهم بآرائها وعلمها في الحياة العامة والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الالتزام بالضوابط الشرعية بعيداً عن الاختلاط والتبرج والخلوة المحرم.

ورأوا في خروجها واختلاطها بالرجال فوضى وضياع للعفة "إذا فُتح الباب لتسابق النساء على الخروج من المنزل، والاختلاط بالرجال في أماكن العمل، وإظهار جمالهن لكل الرجال فستنشأ عواطف وعلاقات جديدة بين الرجال والنساء غير علاقة الزواج، هي علاقة العشاق والأخدان، ومع استمرار إظهار الزينة من النساء للرجال وانجذاب الرجال إليهن وعشقهم للجمال والزينة عندهن يصل المجتمع إلى الفوضى الجنسية وما يصاحبها من ضياع العفة، وانتشار الزنا، وكثرة الأولاد غير الشرعيين.

ولكن حين اندلعت شرارة الثورة وتقدمت المرأة الصفوف وكانت شريكة فاعلة وهامة في الفعل الثوري تفاءلنا خيرا، وقلنا الوقت حان لننتزع حقوقنا، قرعت أجراس الحرية.. قرعتها المرأة وخرجت لتنتزع حقها ممن سلبها إياه وقلنا حان وقت التغيير وبناء يمن جديد، يمن لكل اليمنيين دون إقصاء لأحد بسبب لونه أو جنسه وعرقه أو دينه ومذهبه ومنطقته، يمن أقول فيه أنا "مواطن" ونساء اليمن قدمن التضحيات الجسام هي شهيدة وهي أم وزوجة وابنة شهيد، من أجل ماذا؟ من أجل الوطن ومن اجل نيل حريتها وحصولها على كافة حقوقها. لكن حين تم الاعتداء على ناشطات في الثورة وبدأ التخوين بين شركاء الثورة حين كانت المرأة تتعرض لكثير من المضايقات، كان أبشعها الاعتداء على الكاتبات أروى عثمان وهدى العطاس، ووداد البدوي وسارة جمال وغيرهن بحجة المسيرة المختلطة، رغم أننا بدأنا بمسيرات مختلطة لم يكن يحضرها المعتدين- هذه الممارسات جعلتنا نتساءل هل هي مؤشر للقادم.. لمابعد سقوط نظام صالح؟ ازداد التخوف -أهؤلاء هم من سيبنون الدولة القادمة التي خرجنا من اجلها؟ دولة بدأت ملامحها تتشكل وارتفعت الأصوات الرافضة للوصاية على المرأة وعلى الثورة، أصوات ترفض تحويل ساحة صنعاء إلى"قندهار جديدة" محرم كل شيء على المرأة وظهر ذلك بالمضايقات اليومية التي تتعرض لها النساء، أصوات منددة ومستنكرة لهذه الأفعال وبالتالي تزايدت بالمقابل الأصوات المخونة لها، هؤلاء كن في مقدمة الصفوف منذ بداية الثورة، أروى عثمان ذاكرة الثورة منذ انطلاقها، ووداد وهدى كن من أوائل من خرجن ضد نظام صالح، لم تخرج المرأة إلا لأنها ظلمت وأقصيت كثيرا في عهد صالح، خرجت لتشارك في استعادة حق المواطن اليمني، وتجاوزنا أخطاء وممارسات كثيرة من أجل الثورة.. من أجل الهدف الأكبر وهو إسقاط نظام علي عبد الله صالح ومن أجل دولة المواطنة المتساوية.. لا للإقصاء وطن تحترم فيه آدميتنا بغض النظر عن النوع والدين والمذهب والانتماء. ومع هذا لايزال مشوارنا طويل لتنال المرأة اليمنية كامل حقوقها، فهي عانت ولازالت كثيراً من الظلم والتهميش، نتيجة العادات والتقاليد والموروثات والفتاوى الدينية، وغياب القوانين التي تعطيها حقوقها كاملة وحضور قوانين تحرمها من حقوقها. اليوم والمرأة شريكة في صناعة المجد وكتابة تاريخ جديد لليمن، بدأت سيوف التكفير والقذف والتخوين تشهر بوجهها وهي نفسها السيوف التي أشهرها نظام صالح بوجوه معارضاته ومعارضيه!

المتوقع للمرأة في المرحلة القادمة وتمكينها في المرحلة الانتقالية (قوى شابة، سياسية، اجتماعية)

أقول وأكرر المشوار لايزال أمام المرأة طويل لتنال حقوقها وهناك تخوف في ظل ماحدث لها أثناء الثورة سواء من النظام أو رجال الدين أو بعض شركاء الثورة، وكوننا لم نتجاوز بعد عادات وتقاليد وفتاوى دينية تقدينا. وارى اليوم أخطاء النظام السابق تتكرر، أن تمنح حقيبتين لامرأتين ليس إنجازاً لان هذا حصل إبان حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ولم تأت حكومة الوفاق بجديد! يمكن لمن يحكمون اليوم أن يثبتوا فعلا دعمهم للمرأة لا بحقيبة وزارية هنا أو هناك فالحقائب هي نفسها في عهد صالح، كانت تضحيات المرأة كبيرة وكبيرة جدا، كان تواجدها كبير، كانت شريكة في كتابة تاريخ جديد لليمن، ويجب أن تكون مشاركتها في بناء اليمن القادم بحجم تلك المشاركة وبحجم التضحيات، يجب أن تكون شريكة في صياغة دستور جديد مدني يحفظ حقوق كل اليمنيين، كنت أتمنى أن تتواجد في اللجنة العسكرية، يجب أن تضغط النساء نحو مشاركة حقيقية لا أن تفرح المرأة بحقيبة أعطيت لها وتتناسى مئات النساء يجب أن يكون لهن دور في المستقبل، على المرأة أن تضغط لتصل إلى أماكن صنع القرار ومن هنا نبدأ ننتزع حقوقنا وإذا لم نشارك منذ الآن فلن يكون لنا ربما مكان في أماكن صنع القرار مستقبلا.

المداخل المناسبة لتمكين المرأة خلال المرحلة الأنتقالية وتأكيد حضورها

كثيرة هي العوامل التي تشكل عائقا أمام مشاركة حقيقية للمرأة وتلك العوامل إما اجتماعية اودينية وقانونية واقتصادية، فالأمية المنتشرة بنسبة كبيرة بين أوساط النساء تعد سبب رئيسي بل ومن أهم العوامل التي أعاقت تقدم المرأة وانخراطها في المجال السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي.. والفقر سبب آخر، وربما الفقر يكون سبب لعدم حصولها على التعليم المناسب، إضافة إلى أنه وان كانت متعلمة فهي غالبا ماتعاني من أمية قانونية وشرعية ولاتعلم حقوقها كما جاء بها الدين أو تلك التي كفلها لها الدستور، وعدم جدية الأحزاب في ترشيح النساء واستغلالهم إياها كصوت فقط !وأظن أن أخطرما تواجهه المرأة استغلال الدين ضدها والتفسير الخاطئ بقصد أو بدون قصد للكتاب والسنة مايؤدي إلى إقصائها باسم الشرع وهو تحد يتطلب تثقيف نفسها ومعرفة كل حقوقها، كما الإعلام يجب أن يقوم بدوره في خدمة قضايا المرأة، يظهر المرأة العاملة، وحملات التشهير والقذف التي تتعرض لها إذا ماكانت معارضة، أو إذا قررت الترشح في الانتخابات هذا ماتتلقاه من منافسها الرجل.

توصيات

ولتتجاوز النساء هذه العقبات يجب أن تكون هناك إرادة سياسية وكما ذكرنا تجربة الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن قبل الوحدة تؤكد أن القرار السياسي لإشراك المرأة مهم، يجب أيضا المساواة في فرص العمل، بناء المدارس في المناطق الريفية والنائية، مشاركة المرأة في صياغة الدستور، تعديل المناهج المدرسية بما يعزز قيم المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، تغيير الصورة النمطية للمرأة في وسائل الإعلام، التي تظهر المرأة هي تلك المنكسرة أو تلك التي تظهر كسلعة في الإعلانات عبر وسائل الإعلام من المهم إبراز دورها في بناء المجتمع وفي صنع القرار’ إظهار الطبيبة وقائدة الطائرة والسياسية ورئيسة الدولة بدلا من تكريس تلك النظرة الدونية لها وتلك العاملة التي تظهر وهي غالبا مقصرة في أداء واجباتها المنزلية وتبدو كفاشلة، من المهم أن تكون هناك تعديلات في القوانين التي تميز ضد المرأة، تدريب المرأة وتطوير مهاراتها، وتوعيتها بحقوقها التي كفلها لها الشرع والدستور والقوانين الوطنية والدولية، نبذ كل العادات والتقاليد التي تمتهن المرأة والتي لاعلاقة للدين بها والتي حاول المجتمع الذكوري ربطها بالدين الإسلامي لإقصائها وتهميشها، أن يكف رجال الدين والفقهاء عن خطابات التحريض ضدها ومما يمتهن كرامتها ويكرس من دونيتها بفتاواهم ضدها والاستدلال بأحاديث ضعيفة أو لها مناسبتها الزمنية، فالمرأة عبر العصور هي ملكة ومحاربة وطبيبة وفقيهة... الخ ولم يحرم عليها احد ذلك والإسلام جاء يكرمها لا ليهينها كما يفعل البعض بتفسيراتهم للدين، وليتذكروا أنها شقيقة الرجل ولايمكن بناء مجتمع ونصفه مشلول، فبناء مجتمعنا هو مسؤولية الجميع برجاله ونسائه.

 *المقال هو ورقة عمل عرضت في ندوة (المرأة من النضال والثورة، إلى الحرية والمساواة) التي نظمتها المؤسسة اليمنية للدراسات الاجتماعية.