التيه بين الحق والباطل : مناصرة الحوثي لغزة نموذجاً
بقلم/ د. عبده سعيد مغلس
نشر منذ: 10 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 06 فبراير-شباط 2024 05:39 م
  

قضايا الأمة العربية المعاصرة، منذ الاستعمار والثورة العربية الكبرى لليوم، هي مراوحةٌ في التيه، بين الحق والباطل، والقراءات الخاطئة، والقرارات الخطيئة، أبقت الأمة في صحراء التيه، وحصاد السراب.

 

توضيح لا بد منه.

فلسطين قضية حق لا جدال فيها، وهي القضية الأولى للأمة المسلمة، بمللها الثلاث، اليهودية، والمسيحية، والحنيفية، نجدها قضية حية، في ضمير وقول وكتابات المؤمنين الحقيقيين، بدين الإسلام الواحد، كونها قضية حق وضمير إسلامي وإنساني، ولذا يناصرها المؤمنون الحقيقيون بدين الإسلام، بمختلف ملله، دون توظيف دعائي، أو استغلال سياسيي، لأنهم يدركون، أن الصهيونية مشروع إلحادي، مشعل للحروب والكراهية، بين اليهود، والنصارى، والمؤمنون بالرسالة الخاتم، صنعته رأسمالية التوحش، ضمن مشاريعها المختلفة، ليخدم أهدافها في السيطرة على الناس، وإدخالهم في حروب مستمرة، نرصدها في تاريخنا المعاصر، منذ حروب نابليون لليوم، هادفة بذلك نهب ثروات الشعوب، وتحويلهم لقطعان مستهلكة، لمنتجاتها العسكرية والمدنية، في مراحل إشعال الحروب وإنهائها بدأً بالتدمير أثناء الحروب، ومروراً بالتنظيف والتعمير بعد الحروب، فرأسمالية التوحش، منتج لمنهج الشيطان، تستهدف شقاء الناس كل الناس، فهي تعمل ضد الله، والدين، والناس، وهذا ما يدركه جيداً المؤمنون الصادقون، بدين الإسلام الواحد، بملله الثلاث، فينتصرون لقضية فلسطين، وكل قضايا الإنسانية العادلة، التي تسببها رأسمالية التوحش في كل البلدان، دون هدف سياسي يسعون له.

لأن المؤمنون بحق يدركون أن الدين هو دين الله لكل الناس، بل وللعالمين، وهو نور يُخرجهم من الظلمات للنور، فهو لا يشكل مشروع قيام دولة الدين، بل دولة الإنسان، الدولة التي تؤمن بكرامة الإنسان، واستخلافه، وحرية الاعتقاد، وأن لا إكراه في الدين، والتي أسس نموذجها نبي الله الخاتم محمد (ص) في المدينة، وفق "دستور" وثيقة المدينة، حيث عاش فيها المؤمنون، وأهل الكتاب، والمشركون، والمنافقون، والصابئة، فالدين الإسلامي، هو مشروع أمة مسلمة، ومجتمع مسلم، في أي دولة، لذلك فالإسلام حقيقته دين وأمة، وليس دين ودولة، فالأمة المسلمة، والمجتمع المسلم، قد ينتميان لأي دولة أو جنس.

 

منهج القراءة الخاطئة.

هو منهج إبليسي أوجده إبليس، ويقوم على النظرة الأحادية والوحيدة للمشهد، وعلى العنصرية التي لا ترى غير ذاتها، ووجودها، ومصلحتها، ولا ترى محيطها ولا محيط أزماتها، بكل حقائقه وقوانينه، فإبليس رأى فقط عنصره الناري مقابل عنصر آدم الطيني، في المفاضلة بينه وبين آدم في السجود، وفي قراءته الخاطئة أغفل كل حقائق محيطه وواقعه، بدأً من جعل الله لآدم خليفة في الأرض، مروراً بتسويته، ونفخة الروح فيه، وتعليمه الأسماء كلها، وصولاً لأمر الملائكة بالسجود له.

فأي منهج للقراءة يغفل كل محيط المشهد، وحقائقه الفاعلة، ويقوم على العنصرية، أو يركز على أعراض العلة، دون العلة نفسها وأسبابها، هو منهج لقراءة خاطئة، لا تنتج عنه رؤية دقيقة واضحة، لإشكاليات المشهد كلها، وهذا واقعنا المُعاش، الذي به نقرأ أزماتنا وحروبنا، ولذا نحن ندور في مشاكلنا ذاتها، وبعناوين مختلفة، ودورات زمنية متعددة، وحصادنا دوماً، هزائم، وتخلف، وفشل، وإحباط، والسير من سراب لسراب، لأن منهج المعالجة لمشاكلنا يقوم على قراءة خاطئة.

 

منهج القرار الخطيئة.

هو أيضاً منهج إبليسي سَنَّهُ إبليس، ويقوم على القراءة الخاطيئة الأحادية والعنصرية، والتي لا ترى محيط المشهد وحقائقه، وهو ما مارسه إبليس في قرائته الخاطئة لمشهد السجود، فاتخذ بذلك قراره الخطيئة، برفض أمر الله له بالسجود، فحصد لعنة الله، والخروج من رحمت الله، والخلود في جهنم.

ولهذا أعلن إبليس عداوته للإنسان، وحربه عليه، والقعود له في صراط الله المستقيم، ليمنعه من نور الهداية، ويقوده لاتباع منهجه، في القراءة الخاطئة وقرارات الخطيئة، ليخرجه بذلك من رحمت الله، وهديه، كما خرج هو .

وواقعنا اليوم يؤكد أننا نتبع هذا المنهج الإبليسي في القراءة الخاطئة، واتخاذ القرارات الخطيئة، ولذلك نحن نحيا حياة الضنك والضلال، ولا نجد الحلول لمشاكلنا، على مستوى الأفراد، والمجتمعات، والشعوب، والدول، والقضايا، وعلى رأسها قضية فلسطين، ونموذج هذا الواقع المعاش بقراءته الخاطئة وقراراته الخطيئة، هو اكذوبة مناصرة مليشيا الحوثي الارهابية لغزة.

 

نكبة عدم التمييز بين الحق والباطل.

الحق إسم لله، وقول الله حق، ودينه الحق، والحق هو الوجود الموضوعي خارج الوعي الإنساني، والله وقوانينه، حق موجود خارج وعينا، والله ليس كمثله شيئ، فلا يمكن لموجودات الأشياء، أن تحيط به سبحانه، وكونه ليس شيئاً، فهو أحدٌ لا واحد، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وقوانين الوجود الكوني والإنساني، هي حق موجود بوجودها الموضوعي خارج وعينا الإنساني، رغماً عنا، أمنا بوجودها أم لم نؤمن، فعندما تصبح ضمن وعينا، تصبح حقاً بالنسبة لوعينا ولنا، ومثال ذلك قانون الجاذبية، فهو موجوداً في الوجود الموضوعي خارج الوعي الإنساني -مثله مثل كل قوانين الوجود- التي خلقها الله في الوجود، وعندما اكتشفه نيوتن، أصبح حقاً ضمن وعينا الإنساني.

ومنهج الحق بالوجود الموضوعي وحقائقه خارج الوعي الإنساني، ينطبق على كل القوانين والأسباب، الصانعة لمشكلات الإنسان وأزماته وحروبه، أو نهضته وتقدمه، فهي حق موجود ضمن قوانين الوجود، وقد تكون خارج وعي الناس، ومثال ذلك "المكر والتآمر" الذي تزول منه الجبال كما وصفه الله، وعلى الإنسان معرفتها، ومعرفة جذورها ومسبباتها، ومحيطها ومشهدها، ليعرف كيف يعالج مشكلاته وأزماته وحروبه الناشئة، بسبب مكر التآمر، ونموذجها "قضية فلسطين". 

بينما الباطل وهم وظن، لا وجود له، ينتج عن تصورات خاطئة ونموذجه "السراب" في ظن الواهم، و"النار خير من الطين" في ظن إبليس، وهو ينتج عن عدم الرؤية الموضوعية والمجردة، للمشهد بشكله الكلي، وفي مثالنا "تآمر المكر" ينتج عن غياب المعرفة الكلية بمشهد الأزمات والحروب، وقوانينها، وعدم التمييز بين ما هو حق وباطل في مشهدها المتحرك، وهذا كله نتيجة حتمية للقراءة الخاطئة، التي تنتج القرارات الخطيئة، في واقع وجود الأزمات والحروب والقضايا، وهو ما ينطبق على نموذجنا "مناصرة الإرهاب الحوثي لغزة".

 

القراءة الخاطئة والقرارات الخطيئة، وعدم التمييز بين الحق والباطل وحصادها المر للأمة.

حصاد ذلك قطعاً، هو حصاد السراب، والتيه في صحرائه، لأننا -نتيجة للقراءة الخاطئة، بتغييبنا للمشهد الكلي لقضايانا، بسبب أهوائنا وظنوننا ورغباتنا، لا نستطيع التمييز، بين الحق والباطل، ولا اتخاذ 

القرارات الصائبة في قضايانا، ونعتقد خطأً بأن الباطل حقاً فنتّبعه، فيضيع عنا الحق ولا نجده، فتصبح حياتنا سلسلة من ممارسات الباطل، فيكون حصادنا دورات لا تنتهي، من الأزمات والحروب، وما ينتج عنها من كوارث ومآسي.

ومنذ وعيت وأدركت، وأنا على مشارف انتهاء عقدي السادس، وجدت أمتنا تمارس هذه الدورة المتتابعة، من القراءة الخاطئة، والقرارات الخطيئة، وعدم التمييز بين الحق والباطل، حتى في كتاب دين الله، أشركنا معه كتب فقه الناس، وجعلناها حاكمة عليه، ونموذجها الإمامة وإمامة الفقيه وما تفعله في الأمة حتى اليوم، ولذا فحصادنا دوماً هو حصاد مر، من نكبات الباطل وحروبه. وأوضح مثال نعيشه اليوم، هو ادعاء المليشيا الحوثية الارهابية، نصرة قضية غزة، لقد أوقع هذا الإدعاء، الناس، في منهج القراءة الخاطئة والقرارات الخطيئة، لقد أغفل التابعون لهذا المنهج، والمتعاطفون مع القضية الفلسطينية، الحق الناصع، بأن الحوثية وإمامة الفقيه، هما فكرة عنصرية مثل الصهيونية، كما اغفلوا الواقع والحق، بأن جرائم المليشيا الحوثية، في حق اليمن وشعبه، هي نفس جرائم الصهيونية في حق فلسطين وشعبها، فهي جرائم ضد الإنسانية، بكل عناوينها وتفاصيلها، وهي موثقة في ملفات المنظمات الإنسانية المعنية، وقرارات وتقارير الأمم المتحدة، فتعز مثلاً محاصرة بسكانها، الذين يفوقون سكان غزة منذ ٩ سنوات، والأرض مزروعة بالألغام فلا رعي ولا حرث، وكل جرائم الإرهاب الحوثي بحق اليمن وشعبه، هي حقائق في الوجود الموضوعي لمشهد الحرب اليمنية، والتي أغفلتها القراءة الخاطئة لنصرة فلسطين، وعدم التمييز بين الحق والباطل، فاتخذ المتعاطفون مع القضية الفلسطينية، قرارهم الخطيئة، بنصرة الباطل الحوثي، ضد الحق في الحياة والكرامة للشعب اليمني، وناصروا المليشيا الحوثية الإرهابية، ضد اليمن وشعبه، وهم بهذا وفروا الغطاء والشرعية للإرهاب الحوثي، ليمارس إرهابه وجرائمه ضد الشعب اليمني، تحت باطل ووهم، نادت به المليشيا الحوثية الإرهابية، بعنوان رفع الإرهاب والإجرام الصهيوني عن غزة، وهم يمارسون نفس الإجرام العنصري ضد اليمن وشعبه.

فكيف لمن يمارس الإرهاب والجرائم ضد شعبه، الوقوف ضد إرهاب وجرائم الصهيونية، ضد شعب فلسطين، وكيف لمن يحاصر شعبه ويجوعه، يمكنه مناصرة رفع الحصار عن شعب غزة وحصارها.

وكيف يمكن لإيران وإمامة الفقيه، المناصرة للإرهاب الحوثي، والتي دمرت جيوش ومجتمعات وشعوب، اربع دول عربية، أن تنصر الحق العربي، وعلى رأسه حق الشعب الفلسطيني.

ما نشاهد تفاعله في وسائل الإعلام والتواصل لهذه المناصرة المزعومة، هو منهج القراءة الخاطئة، والقرارات الخطيئة، وعدم التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، والذي تمارسه الأمة منذ الثورة العربية الكبرى لليوم، وهو الذي قادنا ويقودنا، لصحراء التيه، التي أضاعتنا وأضاعت قضايانا.

 

خلاصة القول.

إن الإرهاب الصهيوني، والإرهاب الحوثي والإيراني، ضد شعوبنا هو من مخرج واحد، فكليهما أدوات لرأسمالية التوحش، لتدمير المنطقة، وإدخالها في حروب مستمرة، لنهب ثرواتها، والسيطرة عليها، كأهم منطقة، متحكمة، ومنتجة، لطاقة العالم، واقتصاده وتجارته، وحقيقة المشهد أن هجمات جماعة الحوثي الارهابية على البحر الأحمر، بدعوى نصرة غزة، خدمت رأسمالية التوحش لا سواها، وذلك برفع أسعار التأمين البحري، وأسعار النقل، وإيجار السفن، وأسعار السلع والخدمات، مما يزيد تكديس الثروات في بنوك رأسمالية التوحش، كما سهلت هذه الدعوى الكاذبة، لرأسمالية التوحش، من السيطرة على البحر الأحمر، وشرعنة التواجد لقواتها وأساطيلها البحرية. 

ختام القول وجوهره.

إنها أزمة العقل العربي التائه، بين الحق والباطل، واعتقاده بأن الباطل حق، بسبب القراءة الخاطئة والقرارات الخطيئة، ولن نخرج من هذا دون الخروج من المنهج الإبليسي في القراءة الخاطئة، والقرارات الخطيئة.