فؤاد الصلاحي: جمود المشهد اليمني سببه أنصار الثورة والجارة الشمالية
بقلم/ مأرب برس - متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 8 أيام
الأحد 12 يونيو-حزيران 2011 04:48 م

رغم الحالة الصحية للرئيس اليمني ودخوله وكبار رموز نظامه المترنح غرف العناية المركزة إلا أن الثورة مازالت تراوح مكانها والفعل الثوري أصيب بالجمود. فما هي الأسباب؟ حول هذا الموضوع حاورت دويتشه فيله الباحث فؤاد الصلاحي. د: فؤاد الصلاحي

نحو أربعة أشهر مرت على خروج ألاف المتظاهرين اليمنيين المطالبين بـ"إسقاط النظام" و"رحيل" الرئيس علي عبدالله صالح، وهي فترة طويلة مقارنة بفترة صمود كل من الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن على والرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك. لكن الرئيس اليمني أستطاع حتى الآن الصمود من خلال المراوغة واللعب على حبال كثيرة. وحتى وهو طريح الفراش وفي غرفة العناية المركزة بعد الحادثة التي تعرض لها هو ومجموعة من رموز نظامه في قصر الرئاسة مازال يثير حيرة المراقبين للشأن اليمني، فهو رغم غيابه وأركان حكمه عن البلاد إلا أن الثورة ضده مازالت تراوح مكانها، بل يبدو أنها خفتت أكثر مما كان عليه الحال من قبل. فما هو سر تأخر نجاح الثورة في اليمن ولماذا تراوح مكانها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها حاورت دويتشه فيله الخبير السياسي اليمني الدكتور فؤاد الصلاحي.

دويتشه فيله: لماذا هذا الجمود بعد غياب الرئيس علي عبد الله صالح؟

فؤاد الصلاحي: الجمود سابق لما حدث للرئيس، فالمشهد السياسي، الذي كان يتصف بعنفوان الشباب وحركتهم، تم تجميده يوم (21 مارس/ آذار)، عندما قال قادة عسكريون كبار وشيوخ قبائل إنهم يدعمون الشباب في ساحة التغيير. فتم تجميد الفعل الثوري للشباب، حيث نعيش الآن الانتظار القاتل والممل للشباب دون أمل بتحقيق الأهداف التي كانوا يأملون تحقيقها. أما وقد سافر الرئيس بسبب الانفجار الذي طاله بمسجد الرئاسة، فقد أصبح هذا التجميد بفعل قوى إقليمية. فهناك قوى إقليمية استلمت الأزمة الداخلية في اليمن وتم تجميد الوضع وفقاً لترتيبات سياسية تمليها مصالح هذا الطرف الإقليمي وبعض أنصاره ومجموعات قبلية تابعة له في الداخل.

إلى هذا الحد يمكن أن يكون العامل الخارجي مؤثرا على مسار الثورة في اليمن؟

طبعاً! فهذا هو الوضع الداخلي في اليمن منذ عام 1962، فالمعطى الداخلي في اليمن هو ( في الوقت نفسه) معطى إقليمي ودولي. عندما قامت الثورة في عام 1962 كان هناك صراع إقليمي ودولي على الساحة اليمنية؛ صراع بين مصر عبد الناصر والاتحاد السوفيتي (من جهة) وبين القوى الملكية والولايات المتحدة الأميركية الداعمين للقوى المضادة (من جهة أخرى). وتم إقرار الصلح في عام 1970 وفق الأجندة الإقليمية بترتيبات سعودية ضد مصالح القوى الثورية. ونحن نشهد الآن نفس الفعل السياسي بقوى إقليمية ودولية. وهو ينطلق من حقيقيتين: الأولى أن الجارة الشمالية لنا لا ترغب بتغيير ثوري على حدودها، لا ترغب به لا من قريب ولا من بعيد. ومن ثم، فان لها مجموعات قبلية وعسكرية كبيرة نافذة تابعة ومؤيدة لها (في اليمن)، تعتمد عليها في رسم ملامح السياسة الداخلية في اليمن. الحقيقة الثانية: وجود تحول ديمقراطي في الساحة اليمنية يقلق الجارة الشمالية، فهي لا تريد ذلك، بل تريد دولة تقليدية مفككة تعتمد على التمويل من حين لآخر من الجارة الشمالية. أما القوى المدنية الفاعلة في الداخل فهي قوى اقل فاعلية. وأنا اقصد هنا أحزاب "اللقاء المشترك" (تكتل أحزب المعارضة البرلمانية). فالفعل الحقيقي الذي كان يتميز به اليمن خلال الثلاثة أشهر الماضية كان فعل الشباب، بكل حركتهم الاحتجاجية وبانتماءاتهم الريفية والحضرية والطلابية وبعض انتماءاتهم السياسية. لقد تمكنوا لأول مرة من أن يصنعوا فعلا ثوريا وتحالفا مدنيا واسعا في مجتمع يتصف بأنه مجتمع قبلي وتقليدي.

وأين المعارضة من كل ذلك؟

هل فقدت الثورة في اليمن "برآتها" بانضمام العسكر والقبائل لها؟

أصبح دور المعارضة ثانوي بعد القتال الذي دار بين الرئيس والشيخ ( صادق الأحمر) وبين الرئيس واللواء (علي محسن الأحمر). والتحالفات الآن تدور بين الرموز الثلاثة. والمعارضة أصبحت وجها خفياً من الدرجة الثانية، لأنها أساسا ـ وأنا اقصد المعارضة الرسمية ممثلة باللقاء المشترك ـ رضت لنفسها بسقف متدني من المطالب عندما وضعت المبادرة الخليجية. وكان الشباب في الساحات لديهم سقف عال جداً، يطالب بتغيير كل النظام ومحاكمته وبناء دولة مدنية. أما المعارضة فقد وافقت على انتقال تدريجي للسلطة. نحن أمام إشكالية حقيقة فهذه الأحزاب الضعيفة كانت على منوال النظام نفسه. نظام سياسي ضعيف مهترئ، يعتمد تكتيكات آنية. والمعارضة على شاكلة هذا النظام، ولهذا جاء الشباب من كل القوى الاجتماعية، بل أن بعض الشباب خرجوا عن أحزابهم واصطفوا مع حركة ثورية جديدة. والأمل كان في الشباب الذين سيتجهون إلى رؤية يسارية جديدة لإحداث تغيير راديكالي في اليمن.

شعار الثورة الأول كان "رحيل" الرئيس صالح. وهاهو قد غاب عن المشهد السياسي، فهل تحققت الثورة؟

لا هذا لم يتحقق، صالح لم يرحل. هذه زيارة علاجية وسيعود، فهو لم ينقل السلطة. لأن الرحيل كان سيتضمن قرارا جمهوريا بنقل السلطة إلى نائبه. وهذا لم يتحقق؛ أولا لأن النائب ليس له قرار، ولا يوجد هناك قرار جمهوري بنقل الصلاحيات. إذ يجب أن يكون هناك قرار ينشر في الجريدة الرسمية ويُعلن وهذا لم يحدث. كان من الممكن أن يتجه الشباب ومن ادعى بحمايتهم لخطوة جديدة في الفعل الثوري عندما غاب الرئيس، إلا أنهم لم يتخذوا هذه الخطوة. الأمر الذي يدفع إلى التشكك من أن هذه القبائل والعسكر قد جاءوا لحماية الثورة. أنا أقول إن هؤلاء العسكر الذين جاؤا تحت شعار حماية الثورة، اخفوا أنفسهم في ساحات التغيير لتصفية حسابات لهم مع الرئيس، ولم يقدموا على دعم الثورة. ومن هنا فان الرحيل رحيل مؤقت والسلطة مازالت بيد أبناء الرئيس وأقاربه الذين يمسكون بالقوات المسلحة والأمن القومي.

هل تعني تحديدا أن من يديروا دفة البلاد الآن هم أبناء الرئيس؟

طبعا! والدليل ما حدث ليلة الخميس الماضي، عندما ذُكر أن الرئيس خرج من غرفة العناية المركزة. لقد تم أطلاق النار في 17 محافظة لمدة ثلاث ساعات، ليس فرحا بسلامة الرئيس ولكن للقول، إننا من يمسك بدفة البلاد ويملك إدارة البلاد وصنع القرار فيه. نيران كثيفة لم تطلق في أي حرب عالمية وعشنا خلالها رعبا لا يوصف.

تحدثت عن أبناء الرئيس، ألهذا الحد يمسك صالح بكل الخيوط، وهو في داخل غرفة العناية المركزة؟

طبعا! فبعد 33 عاما من الحكم لم يسمح بظهور أي شخص أو قوى أو مؤسسة إلى جانبه على الإطلاق. تم تهميش الجميع. أما الجيش فقد تم ربطه بثلاث مؤسسات عسكرية، الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والقوات التابعة لعلي محسن الأحمر. وهذه القوات كلها مرتبطة بالرئاسة. ولا يوجد شخص حقيقي يعتمد عليه في النخبة السياسية المعروفة. لا نستطيع أن نجد شخصا في الحكومة أو مجلس النواب أو الشورى يحظى بمصداقية. ولهذا لا تستطيع أحزاب "اللقاء المشترك" أن تأتي بشخص من هذه المؤسسات. عندما رَغِبت بترشيح شخص في انتخابات الرئاسة الماضية، كان هناك شخص من خارج المشهد السياسي ومتقاعد. الرئيس استطاع خلال فترة حكمه الطويلة أن يحيك كل المؤسسات والقوى بمكتبه هو.

والمعارضة، هل صنعها الرئيس كما يشاء أيضا؟

هذه المعارضة مُقسمة. منها معارضة قومية صغيرة ومنها معارضة إسلاميه هو الذي دعمها. والكل يعلم أن حزب الإصلاح، اكبر الأحزاب الدينية، الرئيس هو من دعم تشكيله. وهم مجموعات ظهرت في السبعينات كانت تُستخدم ضد الحزب الاشتراكي (الذي كان يحكم سابقاً) في الجنوب والقوى اليسارية في الشمال. هذا الحزب (الإصلاح) أخذ الآن جانب المعارضة عندما تناقضت مصالحه مع الرئيس منذ ثلاث أو أربع سنوات ليس إلا. لكن القوى التقليدية ليست كلها ضد الرئيس، بعضها ضده والبعض الآخر لم تزل مواليه له. لقد استطاع الرئيس أن يلعب بذكاء، من خلال استقطاب الرموز القبلية من خلال العطايا المادية لأبناء القبائل. الجدير بالذكر أنه لا يوجد ارتباط عقائدي مع الرئيس، بل ارتباط براغماتي مصالحي انتهازي. فكل الذين يرتبطون معه يرتبطون معه من خلال مصالح آنية مادية. لكن هناك من استطاع الخروج من ظله لأنه كان معه لمدة وتناقضت مصالحه مع مصالح الرئيس. أما المعارض الآخر، فهو الحزب الاشتراكي. وهو يعاني من ويلات الضربات الداخلية للحزب، تحت تأثير حرب عام 1986 ( بين أجنحة الحزب الحاكم في جنوب اليمن سابقا) وحرب عام 1994( التي شنها الرئيس صالح على الجنوب)، لكنه (الحزب الاشتراكي) استعاد عافيته نسبيا ولا يزال الأبرز. والذين يتطلعون للعمل معه تحت قيادة الدكتور ياسين سعيد نعمان، ماعدا ذلك، فأنها معارضة غير فاعله، فهناك أحزاب صغيرة ورَقِية ليس لها تمثيل في البرلمان أو الحكم المحلي وهي ليست ذات شان، هي أحزاب صحف، لا يقراها إلا عدد محدود من الناس.

سؤال أخير إلى أين يتجه اليمن؟

(المشهد) مفتوح على احتمالات عديدة. إما نحو حرب أهلية، خاصة إذا ما كان هناك إصرار من أبناء الرئيس على البقاء في السلطة واستخدام العنف. وإذا لم يغادر الآخرون الساحة، فان معاناة اليمنيين ستطول. خاصة أن فرقاء كثيرون إقليما ودوليا يريدون أن يلعبوا على هذه التناقضات. وربما تدفع بعض الإطراف مجموعاتها الداخلية لإستخدام العنف. ونتمنى أن لا يصل البلد لحالة الاحتراب الأهلي والقبلي وأن تكون هناك رؤية عقلانية ورشيدة من صناع القرار؛ أعني خاصة من الرئيس وقد حكم 33 عاما، ومن القوى الإقليمية التي يجب أن تفهم أن أي حرب أهلية لن تكون متموضعة داخل الساحة اليمنية، بل ستمتد إلى الدول النفطية المجاورة وستؤثر على اقتصادها السياسي والاقتصادي.

 أجرى الحوار: عباس الخشالي

مراجعة: عبده جميل المخلافي

الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ لعلم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء وباحث أكاديمي يمني.

*راديو المانيا