حتى لا يكون الحوار أعرجاً..!!
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 12 سنة و 3 أسابيع و 6 أيام
السبت 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 01:13 م

يراهن شعبنا للخروج من محنته وأزماته الراهنة على مؤتمر الحوار الوطني المتوقع انعقاده خلال الستة الأشهر الأولى من العام المقبل 2013م، فهو أهم ركيزة من ركائز التسوية السياسية في البلاد، وانعقاده بداية، يمثل ابرز التحديات .. وبنجاحه سيمتلك اليمنيون مفاتيح وأدوات التغيير والسير باتجاه بناء الدولة المدنية الحديثة .

ومؤتمر الحوار الذي نعول عليه الكثير والكثير، نتوخي أن يفضي إلى جملة من الحلول، التي تنتظرها النخبة والعامة على حد سواء، والتي من اهمها:

-إصلاح شامل للأوضاع الأمنية، ومنع التقطعات والقتل في الطرقات والشوارع .. وإحلال مدافع ورشاشات ودبابات الدولة بدلا عن مدافع ورشاشات ودبابات المليشيات القبلية والحزبية.

-تسوية الوضع المعيشي لأبناء المجتمع ، فعوز وحاجة وفقر الناس بعد أن فشلت \"حكومة الوفاق\" في معالجتها في حالة تزايد مرعب ومخيف.

-بناء دستوري جديد ، يقود إلى نظام سياسي جديد، يتساوى فيه الناس في الحقوق والواجبات، ويمنع سيطرة أقارب المسئولين وأحزاب السلطة على الوظيفة السياسية والعامة.

-معالجة القضية الجنوبية وفقا لحلول عادلة وبما يحافظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، ويعيد لأصحاب الحق حقوقهم المنهوبة، وللدولة شواطئها المستباحة، وأبار نفطها المسروقة.

وهذه الرغبات والتطلعات الطموحة، هي تطلعات ورغبات مشروعة ، لكن مفاتيحها لا تزال ضائعة، والجهة المعنية بالبحث عنها هي اللجنة الفنية للحوار الوطني.

غير آن اللجنة التي تشكلت بذرتها الأولى باسم \"لجنة التواصل\" منذ حوالي العام لا تزال تراوح \" محلك سر\".

فقد تشكلت اللجنة (الفنية) للحوار الوطني، ولكن بدون تواصل وطني، وبنفس آلية التقاسم التي تم بها تشكيل \"حكومة الوفاق\" ، فقد تم اختيار أعضائها وفقا لمعايير حزبية من بين طرفي المبادرة (المؤتمر والمشترك)، وكانت النتيجة \" ديمة خلفنا بابها\" كما يقول المثل الشعبي اليمني.

ولما وجدت اللجنة نفسها في حيص بيص و\" تعصد بنفس المحواش\"، اجتهد الجهابذة من طرفي السلطة الحاكمة، وتم إضافة واختيار ممثلين جدد، ولكن الاختيار الجديد خضع هو الآخر لمعيار الموالاة لهذا الطرف أو ذاك، بحيث تم اعتماد تمثيل الأفراد والشخصيات أكثر من اعتماد تمثيل القوى المتواجدة على الواقع، فأغفل الحراك الجنوبي، والمستقلون من السياسيين والشباب من جديد، وهو ما جعل اللجنة الفنية غير مرضي عنها، بل ومرفوضة من قبل معظم القوى والهيئات التمثيلية الشعبية والرسمية ومنظمات المجتمع المدني.

غير أن الرفض ظل يتصاعد بين القوى والأفراد، وبخاصة بين القوى الحراكية الجنوبية، وفجأة ظهرت لجنة الحوار بتخريجة جديدة تمثلت في إقرار تشكيل \"اللجنة الفنية\" مناصفة بين الشمال والجنوب، أي بنسبة 50% للشمال و50% للجنوب، في ضن من الدكتور الارياني والدكتور ياسين نعمان، وعبد الوهاب الآنسي - وبعض الضن إثم – أن هذه الوصفة السحرية الجديدة \"المناصفة\" ستكون طعما مغريا للمطالبين بفك الارتباط، والفيدراليتين، وسيدفع الحراكيين للمشاركة، غير أن سنارة الطعم – للأسف- كانت قصيرة، ولم تصل إلى هدفها، علاوة على أن قضية مناصفة التمثيل في اللجنة الفنية، وحتى في مؤتمر الحوار ستكون غير ذي معنى ولن يكون لها أي وزن أو قيمة .. ذلك لأن قرارات اللجنة الفنية توافقية، وستكون بالتالي قرارات المؤتمر المقبل (توافقية) هي الأخرى.

وهو ما جعلها محل رفض من قبل الأوساط السياسية المستقلة، والشبابية وكثير من فصائل الحراك الجنوبي.

ومن هنا يجب أن يدرك \"الحواريين\" أن المهم في الحوار الوطني هو استيعاب وقبول الجميع بدون استثناء، المَرضِي عنهم وغير المرضي عنهم، وإلاَّ رجعنا إلى تكرار الاسطوانة المشروخة التي كانت تتردد عبر الخطابات الرئاسية الرنانة، وعبر وسائل الإعلام الرسمية والحزبية قبل ثورة 3 فبراير 2011م، والتي أتقنت فن توزيع الاتهامات من \"انفصالي مريض\" إلى \"إمامي حاقد\" و\"معارضة مرجفة\"، و\"عملاء متسولون\"...إلى آخر مثل هذه التعابير، التي لم تقدم ولم تؤخر في المأساة اليمنية شيئا، وإنما زادتها مرارة وتعقيداً.

فالتمثيل والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني – أي مؤتمر حوار وطني- يجب أن يأخذ في الاعتبار الأبعاد الثلاثة التالية:

-البعد الوطني:

ومفاده أن تكون القضية الوطنية هي جوهر الحوار الوطني ومركز نشاطه، وهو ما يتطلب نظرة شاملة للمشكلة اليمنية، والبحث في حيثياتها وأسبابها، من خلال اشراك الاختصاصيين، والخبراء في الحوار، ليقدموا رؤى تتضمن معالجات علمية وليس سياسية للقضايا المرتبطة بمصالح وحياة الناس، والتي يترتب على التغيير فيها تغيير في ذهنيتهم ونمط تفكيرهم، لأن المشكلة في اليمن ليست سياسية وحسب، وإنما هي حقوقية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية أيضا.

وهو ما يجب أن تدركه، وتتداركه اللجنة الفنية للحوار، لأن المؤشرات والوقائع تدل على الانشغال والبحث ليس في واقع ما يهم العام من القضية الوطنية، بل البحث في واقع ما يهم الخاص المتمثل بالتسويات والمراضاة بين فرقاء العملية السياسية وشركاء السلطة القائمة بالذات.

-البعد الجغرافي:

يرتبط الحوار– أي حوار وطني- بالضرورة بالبعد الجغرافي، أي أن الوطن الذي يمثل رقعة جغرافية واحدة، يتكون من أجزاء أو وحدات إدارية أو أقاليم أو محافظات- سمها ماشئت- وأي استبعاد أو تجاهل لتمثيل جزء أو وحدة من هذا النسيج الجغرافي الواحد، يخل بالتوازن الوطني، ويصبح الوطن مرهونا بلون معين من وحداته أو قبائله أو فئاته.

وهو ما ينطبق على تشكيل لجان الحوار الوطني الجارية، التي اقتصرت أو قل تركزت في محافظات بعينها، بينما بقية المحافظات التي هي جزء مهم من هذا النسيج الوطني لا تزال غائبة، ليس لأنها لا تمتلك كفاءات وطنية مناضلة، سياسية وثقافية وعلمية، وإنما (ربما) لأنها لا تزال دون مستوى الرشد عند هؤلاء، أو على الأقل ينظر إليها من هذه الزاوية، وهي برأيي نظرة إقصائية غير وطنية، تنتفي معها صفة وطنية الحوار، وقيمته وأهميته السياسية والإنسانية .

واللجنة الفنية للحوار الوطني التي تضم بعض شخصيات نكن لها التقدير والاحترام، معنية بإدراك هذه الحيثية، وإدراك أنها جاءت وتشكلت للتحضير لحوار وطني عام وشامل يستهدف معالجة اختلال التوازن السياسي، الذي كان الإقصاء والتهميش احد أبرز أسبابه.

فالحوار الوطني بمنطق الإقصاء، وبعيداً عن مراعاة البعد الجغرافي سيكون أعرجا، وسيعيد إنتاج الماضي، ولن يفضي إلى الجديد الذي يتوق إليه المجتمع.

-البعد السياسي:

وهو تقريبا الحاضر الوحيد بنسبة ما في اللجنة الفنية للحوار الوطني، بكونها لا تزال، وما انفكت تفكر كيف تُقسِّمُ على اثنين (مؤتمر+ مشترك)، مع إشراك بعض المستأنسين من هنا وهناك، ففي زحمة توزيع الحصص لم يتناسوا فقط شباب الساحات والحراكيين والمستقلين، والفئات الصامتة، بل أقصوا الفئات المناضلة والنازفة، وأقصوا أيضا من أسموهم بـ\"الحلفاء\" و\"الشركاء\"، الذين حضرت أسماؤهم في بداية الأزمة ووسطها، وعُلقت بل غابت عند المحاصصة وتوزيع الغنائم.

فقد تم تمثيل الحراك الجنوبي (مثلا) في اللجنة الفنية للحوار بأسماء وأشخاص ليس لبعضهم علاقة بالمكونات الحراكية داخلية وخارجية، فمعارضة الداخل تمثلها مكونات حراكية معروفة كالمجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب، واللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الجنوبي، ومكونات أخرى كثيرة مؤثرة في الساحة الجنوبية لا تزال غائبة عن التواصل والتحاور، وفيها قامات حراكية مهمة من أمثال با عوم والنوبه، ومحمد علي احمد وآخرين كثيرين، واكتفت اللجنة بشخصيات بعضها هامشي ولا علاقة لها بالحراك ولا بتمثيله، وهو ما انطبق على تمثيل معارضة الخارج، الذي انحصر في عبد الله الاصنج، بينما آخرون فاعلون لا يزالون خارج اللعبة، ولم يقبلوا بالمشاركة بعد، كـ\" البيض وعلي ناصر والعطاس\"، وبغض النظر عن فهمهم واشتراطاتهم للحوار إلا أنهم يمثلون المرجعيات الأقوى في القضية الجنوبية.

ولعل قرار آخرِ لقاء للمؤتمر الجنوبي الثاني في القاهرة بعدم المشاركة، لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة تخبط اللجنة التحضيرية الفنية للحوار، وعدم قدرتها في مرحلتها الأولى على التواصل مع المعنيين بالحوار داخليا وخارجيا، ثم انشغالها بالتقاسم في مراحلها \"الفنية\" الأخيرة، وعدم قدرتها على التقدم خطوة إلى الأمام، فإعداد أجندة الحوار ليس مهما إذا كانت لم تتمكن من التواصل وجمع أطراف الحوار على أسس وطنية وسياسية وجغرافية.

أما التباهي بقضية النجاح في إشراك الحوثيين في الحوار، فتلك برأيي مسألة أخرى، فالحوثيون لايزالون يلعبون بطريقتهم الخاصة، ويبدو أن مشاركتهم بثلاثة أشخاص في اللجنة الفنية للحوار هي مشاركة (ربما) وقتية، وهناك احتمال كبير وفقا لمعطيات الواقع بعدم استمراريتهم فيه، لأن جو الفوضى والانفلات الأمني خلال الفترة المنصرمة منذ مطلع العام الماضي 2011م، بدا وكأنه يخدم توجهات الحركات والأحزاب المسلحة، ومنها الحركة الحوثية التي تسعى لتعزيز قوة مليشياتها المسلحة، والتوسع والظهور السياسي، وكسب مزيد من التأييد الشعبي، بمساندة وتأييد من قيادات عسكرية ومدنية نافذة في النظام السابق، تبعا للتحالفات السياسية الجديدة .

ومن هنا، ولكي تُحضِّر اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار، وفقا لقواعد ومعايير وطنية، لا بد من أن يقبل شركاء السلطة واللجنة الفنية بالآخر، ويشركون كل الأطياف، حتى وإن كانوا \"مدنيين ولا يحملون السلاح..!!!\".، لتخضع تشكيلاتها للأبعاد الوطنية، والجغرافية والسياسية على حد سواء.

فالحوار يا شركاء لجنة الحوار يجب أن يكون وطنيا وليس حزبيا، جامعا شاملا وليس إقصائيا.

والله من وراء القصد.