اقصر ماجستير في اليمن يحكي قصة نجاح
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 24 يوماً
الأحد 26 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:04 م

محمد الذي لم يتجاوز طوله الـ100 سنتمتر، والذي يعد اقصر يمني يحصل على الماجستير في الإحصاء الرياضي وبتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، أب لأربعة أطفال، اثنان منهم يعانون من نفس الإعاقة التي يعاني منها والدهم.

مأرب برس - عبد الله الحسامي

وفي ما يلي نص الحوار:

* بداية احك لنا كيف استطعت أن تقهر إعاقتك وتصر على التعليم؟ وكيف كانت الأيام الأولى لالتحاقك بالمدرسة؟

- لم تكن الطريق بالورد مفروشة والرياحين أمامي خلال الأيام التي قضيتها في الدراسة، بل كانت مليئة بالمنغصات والصعوبات والمشاكل.

بعد أن أكملت الدارسة الابتدائية في منطقة بني حسام شرعب الرونة، انتقلت إلى مركز المديرية التي تبعد أكثر من 20 كيلومترا من منزلنا.

كنت أقطع مسافة أكثر من ساعة بالموتور الذي كان يقوده أخي الأكبر ولمدة ثلاث سنوات إلى مدرسة "الفوز" في مركز المديرية، حيث كانت الطريق وعرة وكنا نتعرض لعدة حوادث وسقوط من على الموتر، الأمر الذي دفع والدي وأخي الأكبر لتكليف أنفسهم ما لا يطيقونه وبيع كل ما يملكونه من اجل شراء سيارة تنقلني إلى المدرسة.

وإلى جانب تلك المشاكل والعوائق، المجتمع يحول دون مواصلتي للدراسة، لكنني تجاوزت ذلك وكنت أضع نفسي ضمن الثلاثة الأوائل فكنت بتفوقي اجعل أساتذتي يعجب بتفوقي وإصراري.

* هل كنت تلاقي تشجيعا من الأهل لمواصلة الدراسة؟

- نعم كنت احصل على تشجيع من والدي وأخي الأكبر الذي أكن لهم كل الحب والتقدير لوقوفهم إلى جانبي.

* هل كنت تلاقي مضايقة من الآخرين أثناء دراستك؟

- كنت ألاقي مضايقة بلا حدود من قبل الآخرين، لكن التحدي والإصرار في مواصلة الدراسة والمنافسة للأسوياء كنت احضر يوميا إلى المدرسة خلال المراحل الابتدائية والإعدادية.

في المرحلة الثانوية كان تقديري الثاني من الأوائل على مستوى المديرية وفي المراحل الإعدادية، الأول من الأوائل، وفي المرحلة الابتدائية كان ترتيبي يأتي الثاني على مستوى الطلاب.

وبعد أن أكملت الدراسة الثانوية أنقلت إلى محافظة صنعاء لمواصلة الدراسة الجامعية حيث التحقت بكلية التجارة والاقتصاد في عام 1990-1991، وتخصصت في قسم الإحصاء.

وقد تخرجت في الجامعة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف والثاني على مستوى الدفعة.

ولتفوقي الدراسي فقد حزت على الكثير من الشهادات العلمية.

* هل لاقيت صعوبة في التوظيف؟

- نعم لاقيت صعوبة في البداية لكن الدكتور عبد العزيز المقالح عندما كان رئيسا لجامعة صنعاء قد منحني درجة خاصة للتوظيف تقديرا لتفوقي العلمي حتى أتمكن من مواصلة مشواري الذي اطمح إليه وهو استكمال الدراسة العليا (الماجستير والدكتوراه).

 حينها أتذكر كلمة قالها المقالح (أطال الله في عمره) لي عندما جئت إلى مكتبه، قال: "يا ولدي إذا جاء تقديرك جيد في نظري والله امتياز".

رسالة الماجستير التي قمت بتحضيرها قدمت فيها إهداء وشكر وتقدير إلى الدكتور عبد العزيز المقالح على تشجيعه وتقديره لتفوقي الدراسي والجامعي أثناء رئاسته لجامعة صنعاء عند تخرجي حيث منحني أوسمة تشجيعية اعتز بها وتنير الدرب نحو المستقبل، كما تمنحني الطاقة لتجاوز الصعوبات والمعوقات.

* قبل أن تعمل معيدا في جامعة صنعاء هل سبق لك العمل في جهة أخرى؟

- بعد أن أنهيت دراسة الجامعة حصلت على درجة وظيفة تشجيعية من شركة هائل سعيد انعم في صنعاء وعملت لدى فرع المكتب التجاري بصنعاء ولمدة سنتان ونصف، ثم عملت بعدها في وزارة التأمينات لمدة عام ونصف ثم عينت معيدا في جامعة صنعاء قسم الإحصاء في عام 1999.

من أعمالي التطوعية عملت مسؤولا للتأهيل والتدريب في جمعية المعاقين حركيا.

بعدها حصلت على منحة إلى دولة العراق في عام 2003 لاستكمال دراسة الماجستير ونتيجة المشاكل في العراق اضطررت إلى العودة إلى اليمن والبحث عن دولة أخرى لإكمال دراسة الماجستير فيها لكن لم يحالفني الحظ الأمر الذي اضطرني لتحضير الماجستير في مدينة عدن.

* عن ماذا كانت رسالة الماجستير الخاصة بك؟

- عن التعليم الجامعي واتجاه طلبة جامعتي صنعاء وعدن نحو بعض العادات والتقاليد الاجتماعية للزواج دراسة إحصائية تحليلية، حصلت على تقدير امتياز في تحضيرها. وكان رئيس لجنة المناقشة الدكتور سعيد احمد حسن القدسي وإشراف عبد الإله صالح مثنى، وعضو لجنة المناقشة الدكتور مهدي سالم.

 

* لماذا اخترت تخصص الإحصاء؟

- لدي هواية للرياضيات ولدي رغبة في التخصصات العلمية لكن إعاقتي حالت دون دخولي إلى كلية الطب والهندسة رغم أن معدلي كان يسمح لي بالدخول في تلك الكليات. لذا اخترت الإحصاء كونه مادة علمية ولا تحتاج إلى جهد بدني.

* ما هي خططك للمستقبل؟

- لدي أكثر من هدف، أولا: أساهم في معالجة تدني التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعي بصفة خاصة وهذا الهدف كان عنوانا لرسالة الماجستير الخاصة بي.

كما أنه كلي أمل في خدمة المجتمع والعمل على توفير كافة الخدمات لشريحة المعاقين.

* هل تعتزم الحصول على الدكتوراه؟

- نعم إذا ما أتيحت الفرصة والإمكانات المادية.

* هل من معوقات أخرى كنت تلاقيها خلال أيام الدراسة؟

- الدراسة كانت "تعب في تعب" كانت الدارسة عندي إصرارا وتحديا.

ومن المعوقات التي كنت ألاقيها إلى جانب الإعاقة الجسدية والمادية والنفسية، معوقات اجتماعية يصنعها المجتمع نفسه، مثل نظرة المجتمع إلى المعاق نظرة القاصرة وغير واعية.

فالمجتمع يضع إعاقات أخرى إلى الإعاقة التي يعاني منها المعاق لذا يلجا كثير من المعاقين إلى العزلة والانطواء.

لكن بفضل الله اليوم نظرة المجتمع إلى المعاق تغيرت كما كان للإعلام دورا في تغير هذه النظرة.

كما أن تشجيع الدولة حاليا قد أزال كثير من المعوقات التي كان المعاق يلاقيها سابقا والتي كانت تقف حجرة عثرة في طريقي.

* هل كانت الإعاقة دافعا لك لمواصلة تعليمك؟

- نعم لقد كانت دفعا قويا لمواصلة الدراسة والتفوق.

* ماذا عن مهارة الكتابة لديك؟

- هذه المهارة افتقدها نظرا لإعاقتي حيث أثرت على معدلاتي أثناء الدراسة كثير جدا.

حيث كانت بعض المواد تحتاج إلى وقت كبير لكن كنت احصل على وقت إضافي من بعض الدكاترة في الجامعة لمعرفتهم بظروفي الخاصة.

* أحرج موقف تعرضت له؟

- هناك الكثير من المواقف المحرجة، وعلى سبيل المثال أذكر لك موقف محرج تعرضت عند إجراءات التسجيل في جامعة صنعاء عندما أرسلني والدي إلى احد الأطباء في صنعاء كونه والدي على علاقة به ومن البلاد وذلك لمساعدتي في إجراءات التسجيل في الجامعة.

وعندما وصلت إلى الدكتور قام بإعطائي بعض النقود لكنني رفضتها.

وثاني موقف محرج تعرضت له في شارع القصر عندما ذهبت لشراء قات، حيث جاء إلي أحد الأشخاص وقال لي: "هل المسجلة جاهزة؟ هل أصلحتها؟" اعتقادا منه بأني هزاع التعزي، وحاول أن يضاربني لعدم إصلاحها، لكنني قلت له: "ارجع لها بعد الظهر لأخذها جاهزة"، وذلك في محاولة لتهدئته.

* هل كنت تشعر بخجل من المجتمع؟

- كنت في الماضي خجولا؛ لكنني تجاوزت ذلك.

 

*كم راتبك الحالي؟

- خمسين ألف ريال فقط، لا تكفي للمواصلات فقط.

* هل هي كافية لك؟

- لا تكفي الأمر الذي أثقل كاهلي بالديون أثناء دراسة الماجستير.

* متى تزوجت؟

- في شهر 8/ 1993.

* كم لديك أطفال؟

- لدي أربعة أطفال منهم اثنان أولاد، وبنتان.

البنت الأولى أسماء (16 سنة) وهي الآن تدرس في صف الثاني الثانوي وتعاني من مشكلة الإعاقة.

وعمر (15 سنة) في الصف الأول الثانوي وهو سليم ولا يعاني من أي إعاقة.

والبنت الثانية اسمها عائشة (13 سنة) تدرس في الصف الثاني الإعدادي وتعاني من مشكلة الإعاقة.

وآخر عنقودي عمر (12 سنة) في الصف الأول الإعدادي وهو يعاني أيضا من مشكلة الإعاقة.

الأمر الذي شكل لي عبئا إضافيا نظرا إلى انهم يحتاجون إلى رعاية صحية خاصة، وتعليم، وملابس وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية… والتي تشكل ضغطا نفسيا وماديا.

 * كم طولك؟

- 90 سنتمترا.

* هل من رسالة توجهها إلى المعاقين؟

- لديَّ أكثر من رسالة، وأقول لهم عليهم بمواصلة تعليمهم وعدم الاهتمام أو إلقاء البال لبعض النظرات التي قد يلاقونها من بعض فئات المجتمع.

كما أطالبهم بالصبر على بلواهم باعتبار ذلك نعمة من الله سبحانه وتعالى.

والمعاق في نظري هو معاق الفكر لا الجسد، فبإمكان المعاق أن يكون نداً قويا لكثير من الأسوياء، إذا كان سلاحه التحدي والإصرار.

بفضل الله سأثبت بشكل قاطع أن الإرادة والعزيمة والإيمان بالذات والتفاؤل بالحياة، هي عناصر كفيلة بقهر الإعاقات والمضي قدما في الحياة وتحقيق الانجازات.